من يده (فإذا هي ثعبان مبين) أي: حية عظيمة بين ظاهر أنه ثعبان بحيث لا يشتبه على الناس، ولم يكن مما يخيل أنه حية، وليس بحية. وقيل: إن العصا لما صارت حية. أخذت قبة فرعون بين فكيها، وكان ما بينهما ثمانون ذراعا، فتضرع فرعون إلى موسى بعد أن وثب من سريره، وهرب منها، وأحدث، وهرب الناس، ودخل فرعون البيت، وصاح: يا موسى خذها، وأنا أؤمن بك فأخذها موسى، فعادت عصا، عن ابن عباس، والسدي. وقيل: وكان طولها ثمانين ذراعا (ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين) هناك، قيل: إن فرعون قال له: هل معك آية أخرى؟ قال:
نعم، فأدخل يده في جيبه، وقيل: تحت إبطه، ثم نزعها أي: أخرجها منه وأظهرها، فإذا هي بيضاء أي: لونها أبيض نوري. ولها شعاع يغلب نور الشمس، وكان موسى عليه السلام آدم فيما يروى، ثم أعاد اليد إلى كمه، فعادت إلى لونها الأول، عن ابن عباس، والسدي، ومجاهد.
سؤال: قيل كيف قال سبحانه هنا: (فإذا هي ثعبان)، وقال في موضع آخر:
(فلما رآها تهتز كأنها جان)، والثعبان: الحية العظيمة، والجان: الحية الصغيرة، فاختلف الوصفان، والقصة واحدة؟.
والجواب: إن الآيتين ليستا إخبارا عن قصة واحدة، بل الحالتان مختلفتان، والحالة التي كانت العصا بصفة الجان، كانت في ابتداء النبوة، والحالة التي كانت بصفة الثعبان، كانت عند لقائه فرعون، وعلى هذا فلا سؤال. وقد أجيب أيضا عن ذلك بأنه شبهها بالجان، لسرعة حركتها، ونشاطها، وخفتها، مع أنها في جسم الثعبان، وكبر خلقه، وهذا أبهر في باب الإعجاز.
حديث العصا: قد ذكرنا نسب موسى عليه السلام في سورة البقرة، وأما عصاه فقيل:
إنه أعطاه إياها ملك حين توجه إلى مدين. وقيل: إنها عصا آدم من آس الجنة، حين أهبط، وكانت تدور بين أولاده حتى انتهت النوبة إلى شعيب، فكانت ميراثا له مع أربعين عصا، كانت لآبائه، فلما استأجر شعيب موسى، أمره بدخول بيت فيه العصي، وقال له: خذ عصا من تلك العصي، فوقعت تلك العصا بيد موسى.
فاستردها شعيب، وقال: خذ غيرها. حتى فعل ذلك ثلاث مرات، في كل مرة تقع يده عليها دون غيرها، فتركها في يده في المرة الرابعة.