يسكن بلد كذا أي: يحله. وهذا موافق لقول ابن عباس: وله ما استقر في الليل والنهار من خلق، وقيل: معناه ما سكن في الليل للاستراحة، وتحرك في النهار للمعيشة. وإنما ذكر الساكن دون المتحرك، لأنه أعم وأكثر، ولأن عاقبة التحرك السكون، ولأن النعمة في السكون أكثر، والراحة فيه أعم. وقيل: أراد الساكن والمتحرك، وتقديره وله ما سكن، وتحرك، ألا أن العرب قد تذكر أحد وجهي الشئ، وتحذف الآخر، لأن المذكور ينبه على المحذوف كقوله تعالى: (سرابيل تقيكم الحر) والمراد: الحر والبرد.
ومتى قيل: لماذا ذكر السكون والحركة من بين سائر المخلوقات؟ فالجواب:
لما في ذلك من التنبيه على حدوث العالم، وإثبات الصانع، لأن كل جسم لا ينفك من الحوادث التي هي الحركة والسكون، فإذا لا بد من محرك ومسكن لاستواء الوجهين في الجواز ولما نبه على إثبات الصانع، عقبه بذكر صفته، فقال: (وهو السميع العليم). والسميع: هو الذي على صفة يصح لأجلها أن يسمع المسموعات، إذا وجدت، وهو كونه حيا لا آفة به، ولذلك يوصف به فيما لم يزل، والعليم: هو العالم بوجوه التدابير في خلقه، وبكل ما يصح أن يعلم. وإنما جعل الليل والنهار في هذه الآية كالمسكن، لما اشتملا عليه، لأنه ليس يخرج منهما شئ، فجمع كل الأشياء بهذا اللفظ القليل الحروف، وهذا من أفصح ما يمكن، كما قال النابغة.
فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع (1) فجعل الليل مدركا له، إذ كان مشتملا عليه.
قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين 14 قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم 15