وهذا كالتسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا) معناه: فهلا تضرعوا إذ جاءهم بأسنا، (ولكن قست قلوبهم) فأقاموا على كفرهم، فلم تنجع فيهم العظة، (وزين لهم الشيطان) بالوسوسة، والإغراء بالمعصية، لما فيها من عاجل اللذة، (ما كانوا يعملون) يعني: أعمالهم. وفي هذا حجة على من قال: إن الله لم يرد من الكافرين الإيمان، لأنه سبحانه بين أنه إنما فعل ذلك بهم ليتضرعوا، وبين أن الشيطان هو الذي زين الكفر للكافر، بخلاف ما قالته المجبرة من أنه تعالى هو المزين لهم ذلك.
(فلما نسوا ما ذكروا به) أي: تركوا ما وعظوا به، عن ابن عباس، وتأويله:
تركوا العمل بذلك، وقيل: تركوا ما دعاهم إليه الرسل، عن مقاتل (فتحنا عليهم أبواب كل شئ) أي: كل نعمة وبركة من السماء والأرض، عن ابن عباس.
وقيل: أبواب كل شئ كان مغلقا عنهم، من الخير، عن مقاتل. والمعنى أنه تعالى امتحنهم بالشدائد، لكي يتضرعوا ويتوبوا، فلما تركوا ذلك، فتح عليهم أبواب النعم والتوسعة في الرزق، ليرغبوا بذلك في نعيم الآخرة. وإنما فعل ذلك بهم، وإن كان الموضع موضع العقوبة والانتقام، دون الإكرام والإنعام، ليدعوهم ذلك إلى الطاعة، فإن الدعاء إلى الطاعة يكون تارة بالعنف، وتارة باللطف، أو لتشديد العقوبة عليهم بالنقل من النعيم إلى العذاب الأليم.
(حتى إذا فرحوا بما أوتوا) من النعيم واشتغلوا بالتلذذ، وأظهروا السرور بما أعطوه، ولم يروه نعمة من الله تعالى حتى يشكروه (أخذناهم) أي: أحللنا بهم العقوبة (بغتة) أي: مفاجأة من حيث لا يشعرون (فإذا هم مبلسون) أي: آيسون من النجاة والرحمة، عن ابن عباس. وقيل: أذلة خاضعون عن البلخي. وقيل:
متحيرون منقطعو الحجة، والمعاني متقاربة والمراد بقوله (أبواب كل شئ) التكثير والتفخيم دون التعميم، وهو مثل قوله: (وأوتيت من كل شئ) والمراد: فتحنا عليهم أبواب أشياء كثيرة، وآتيناهم خيرا كثيرا، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: إذا رأيت الله تعالى يعطي على المعاصي، فإن ذلك استدراج منه ثم تلا هذه الآية، ونحوه ما روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال: يا ابن آدم! إذا رأيت ربك يتابع عليك نعمه فاحذره.
(فقطع دابر القوم الذين ظلموا) معناه: فاستؤصل الذين ظلموا بالعذاب، فلم