يسمع كلامنا؟ فقال أبو جهل. ويحك! والله إن محمدا لصادق، وما كذب قط ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء، والحجابة، والسقاية، والندوة، والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟ وثانيها: إن المعنى: لا يكذبونك بحجة، ولا يتمكنون من إبطال ما جئت به ببرهان، ويدل عليه ما روي عن علي عليه السلام أنه كان يقرأ: (لا يكذبونك) ويقول: إن المراد بها إنهم لا يأتون بحق هو أحق من حقك وثالثها إن المراد لا يصادفونك كاذبا، تقول العرب قاتلناكم فما أجبناكم أي: ما أصبناكم جبناء، قال الأعشى:
أثوى وقصر ليلة ليزودا فمضى، وأحلف من قتيلة موعدا (1) أراد: صادف منها خلف الوعد، وقال ذو الرمة:
تريك بياض لبتها، ووجها كقرن الشمس أفتق ثم زالا 2) أي: وجد فتقا من السحاب. ولا يختص هذا الوجه بالقراءة بالتخفيف دون التشديد، لأن أفعلت وفعلت يجوزان في هذا الموضع، وأفعلت هو الأصل فيه، ثم يشدد تأكيدا مثل: أكرمت وكرمت، وأعظمت وعظمت، إلا أن التخفيف أشبه بهذا الوجه. ورابعها: إن المراد لا ينسبونك إلى الكذب فيما أتيت به، لأنك كنت عندهم أمينا صدوقا، وإنما يدفعون ما أتيت به، ويقصدون التكذيب بآيات الله.
ويقوي هذا الوجه قوله: (ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) قوله: (وكذب به قومك وهو الحق) ولم يقل وكذبك قومك وما روي أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما نتهمك ولا نكذبك، ولكنا نتهم الذي جئت به ونكذبه. وخامسها: إن المراد أنهم لا يكذبونك بل يكذبونني، فإن تكذيبك راجع إلي، ولست مختصا به، لأنك رسول الله، فمن رد عليك فقد رد علي، ومن كذبك فقد كذبني، وذلك تسلية منه سبحانه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقوله: (ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) أي بالقرآن والمعجزات يجحدون بغير حجة، سفها وجهلا، وعنادا. ودخلت الباء في (بآيات الله)