الكفر، أولى بذلك. فإن قيل: فهل للذين ماتوا من قبل من خوطب بقوله (ان تقولوا) حجة وعذر؟ قيل له: إن عذر أولئك كان مقطوعا بالعقل، وبما تقدم من الأخبار والكتب، وهؤلاء أيضا لو لم يأتهم الكتاب والرسول، لم يكن لهم حجة، لكن الله تعالى لما علم أن المصلحة تعلقت بذلك فعله، ولو علم مثل ذلك فيمن تقدم لأنزل عليهم مثل ما أنزل على هؤلاء، وإذا لم ينزل عليهم، علمنا أن ذلك لم يكن من مصالحهم.
هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون 158.
القراءة: قرأ حمزة، والكسائي، وخلف: (يأتيهم) بالياء ههنا، وفي النحل. وقرأ الباقون: (تأتيهم) بالتاء. وقد مضى الكلام في أمثال ذلك.
المعنى: ثم توعدهم سبحانه، فقال (هل ينظرون) معناه ما ينتظرون، يعني هؤلاء الكفار الذين تقدم ذكرهم، وقال أبو علي الجبائي: معناه هل تنتظر أنت يا محمد وأصحابك إلا هذا، وهم وإن انتظروا غيره، فذلك لا يعتد به من حيث ما ينتظرونه من هذه الأشياء المذكورة، لعظم شأنها، فهو مثل قوله: (وما رميت إذا رميت ولكن الله رمى)، وكما يقال: تكلم فلان، ولم يتكلم إذا تكلم بما لا يعتد به (إلا أن تأتيهم الملائكة) لقبض أرواحهم، عن مجاهد، وقتادة، والسدي. وقيل:
لإنزال العذاب والخسف بهم، وقيل لعذاب القبر.
(أو يأتي ربك) فيه أقوال أحدها: أو يأتي أمر ربك بالعذاب، فحذف المضاف، ومثله: (وجاء ربك) عن الحسن، وجاز هذا الحذف كما جاز في قوله:
(إن الذين يؤذون الله) أي: أولياء الله. وقال ابن عباس: يأتي أمر ربك فيهم بالقتل وثانيها: أو يأتي ربك بجلائل آياته، فيكون حذف الجار، فوصل الفعل، ثم حذف المفعول لدلالة الكلام عليه، وهو قيام الدليل في العقل، على أن الله سبحانه لا يجوز عليه الانتقال، ولا يختلف عليه الحال. وثالثها: إن المعنى: أو يأتي إهلاك