بموضع المخافة، وإنما أنكر عليهم التعجب، لأنه ليس في إرساله إليهم، ليرشدهم إلى ما فيه صلاحهم، موضع تعجب. وإنما العجب من إهمال أمرهم، كيف ووجوب الرسالة إذا كان للخلق فيها مصلحة أمر قد اقتضته الحكمة، ودل عليه العقل.
(ولتتقوا) أي: ولتتقوا الشرك والمعاصي (ولعلكم ترحمون) أي: ولكي ترحموا. وقال الحسن: ولتتقوه رجاء أن يرحمكم (فكذبوه) أي: فكذبوا نوحا فيما دعاهم إليه (فأنجيناه والذين معه في الفلك) أي: فخلصناه والذين كانوا معه في السفينة، وهم المؤمنون من عذاب الغرق (وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا) أي: وأهلكنا الذين كذبوا بدلائلنا بالماء (إنهم كانوا قوما عمين) عن الحق أي: ذاهبين عنه، جاهلين به. يقال: رجل عم: إذا كان أعمى القلب. ورجل أعمى في البصر، قال زهير:
(ولكنني عن علم ما في غد عمي) (1) قصة نوح عليه السلام: قد ذكرنا نسبه، وكان من قصته ما رواه الشيخ أبو جعفر بن بابويه، بإسناده في كتاب النبوة مرفوعا إلى أبي عبد الله عليه السلام قال:
لما بعث الله عز وجل نوحا، دعا قومه علانية، فلما سمع عقب هبة الله بن آدم من نوح، تصديق ما في أيديهم من العلم، وعرفوا أن العلم الذي في أيديهم، هو العلم الذي جاء به نوح، صدقوه وسلموا له.
فأما ولد قابيل فإنهم كذبوه، وقالوا: إن الجن كانوا قبلنا، فبعث الله إليهم ملكا، فلو أراد أن يبعث إلينا لبعث ملكا من الملائكة.
حنان بن سدير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: آمن مع نوح من قومه ثمانية نفر.
وفي حديث وهب بن منبه: إن نوحا عليه السلام كان أول نبي نبأه الله، عز وجل، بعد إدريس. وكان إلى الأدمة ما هو دقيق الوجه، في رأسه طول، عظيم العينين، دقيق الساقين، طويلا، جسيما، دعا قومه إلى الله حتى انقرضت ثلاثة قرون منهم، كل قرن ثلاثمائة سنة، يدعوهم سرا وجهرا، فلا يزدادون إلا طغيانا، ولا يأتي منهم