فإن أرحام الإناث تشتمل على الذكور والإناث، فيلزمهم بزعمهم تحريم هذا الجنس صغارا وكبارا، وذكورا وإناثا، ولم يكونوا يفعلون ذلك، بل كان يخصون بالتحريم بعضا دون بعض، فقد لزمتهم الحجة.
ثم قال (نبئوني بعلم إن كنتم صادقين) معناه: أخبروني بعلم عما ذكرتموه من تحريم ما حرمتموه، وتحليل ما حللتموه، إن كنتم صادقين في ذلك (ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين) هذا تفصيل لتمام الأزواج الثمانية (قل) يا محمد (آلذكرين حرم) الله منهما (أم الأنثيين أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) قد تقدم معناه (أم كنتم شهداء) أي: حضورا (إذ وصاكم الله بهذا) أي: أمركم به، وحرمه عليكم، حتى تضيفوه إليه، وإنما ذكر ذلك لأن طريق العلم: إما الدليل الذي يشترك العقلاء في إدراك الحق به، أو المشاهدة التي يختص بها بعضهم دون بعض، فإذا لم يكن واحد من الأمرين، سقط المذهب، والمراد بذلك أعلمتموه بالسمع، والكتب المنزلة، وأنتم لا تقرون بذلك، أم شافهكم الله تعالى به فعلتموه؟ وإذا لم يكن واحد منهما، فقد علم بطلان ما ذهبتم إليه.
(فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) أي: من أظلم لنفسه ممن كذب على الله، وأضاف إليه تحريم ما لم يحرمه، وتحليل ما لم يحلله (ليضل الناس بغير علم) أي: يعمل عمل القاصد إلى إضلالهم، من أجل دعائه إياهم إلى ما لا يثق بصحته، مما لا يأمن من أن يكون فيه هلاكهم، وإن لم يقصد إضلالهم (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) إلى الثواب، لأنهم مستحقون العقاب الدائم، بكفرهم، وضلالهم.
قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم 145.
القراءة: قرأ ابن كثير، وحمزة: (تكون) بالتاء، (ميتة): بالنصب. وقرأ أبو جعفر، وابن عامر: (تكون) بالتاء (ميتة) بالرفع. والباقون بالياء، ونصب (ميتة). وكلهم خففوا (ميتة) غير أبي جعفر، فإنه شددها.