وكان في عسكر قريش أربعمائة فرس. وقيل: مائتا فرس.
فلما نظرت قريش إلى قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال أبو جهل، ما هم إلا أكلة رأس، لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذا باليد! فقال عتبة بن ربيعة: أترى لهم كمينا أو مددا؟ فبعثوا عمير بن وهب الجمحي، وكان فارسا شجاعا، فجال بفرسه حتى طاف على عسكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم رجع فقال: ليس لهم كمين ولا مدد، ولكن نواضح يثرب قد حملت الموت الناقع، أما ترونهم خرسا لا يتكلمون، ويتلمظون تلمظ الأفاعي، ما لهم ملجأ إلا سيوفهم، وما أراهم يولون حتى يقتلوا، ولا يقتلون حتى يقتلوا بعددهم، فارتأوا رأيكم.
فقال له أبو جهل: كذبت وجبنت! فأنزل الله تعالى (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا معشر قريش إني أكره أن أبدأ بكم، فخلوني والعرب وارجعوا، فقال عتبة: ما رد هذا قوم قط فأفلحوا، ثم ركب جملا له أحمر، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يجول بين العسكرين، وينهى عن القتال، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إن يك عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر، وإن يطيعوه يرشدوا. وخطب عتبة فقال في خطبته: يا معشر قريش! أطيعوني اليوم واعصوني الدهر، إن محمدا له إل وذمة (1)، وهو ابن عمكم، فخلوه والعرب، فإن يك صادقا، فأنتم أعلى عينا به، وإن يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره.
فغاظ أبا جهل قوله وقال له: جبنت وانتفخ سحرك، فقال: يا مصفر استه!
مثلي يجبن، وستعلم قريش أينا ألأم وأجبن، وأينا المفسد لقومه. ولبس درعه وتقدم هو وأخوه شيبة وابنه الوليد وقال: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش. فبرز إليهم ثلاثة نفر من الأنصار، وانتسبوا لهم فقالوا: ارجعوا إنما نريد الأكفاء من قريش.
فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب، وكان له يومئذ سبعون سنة، فقال: قم يا عبيدة، ونظر إلى حمزة فقال: قم يا عم، ثم نظر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: قم يا علي، وكان أصغر القوم، فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم، فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها، تريد أن تطفئ نور الله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره. ثم قال: يا عبيدة عليك بعتبة بن ربيعة، وقال لحمزة: