الاستواء إلى جهة الحرف، ومنه الإحتراف: وهو أن يقصد جهة الحرف لطلب الرزق والمحارف: المحدود عن جهة الرزق إلى جهة الحرف، ومنه حروف الهجاء، لأنها أطراف الكلمة، كحرف الجبل ونحوه: والتحيز: طلب حيز يتمكن فيه. والحيز:
المكان الذي فيه الجوهر. والفئة: القطعة من الناس، وهي جماعة منقطعة عن غيرها. وذكر الفئة في هذا الموضع حسن جدا، وهو من فأوت رأسه بالسيف: إذا قطعته.
الاعراب: (زحفا): نصب على المصدر، وهو في موضع الحال، لأن معناه متزاحفين مجتمعين. و (متحرفا) (متحيزا): منصوبان على الحال أيضا، ويجوز أن يكون النصب فيهما على الاستثناء أي: إلا أن يكون رجلا متحيزا، أو أن يكون منفردا، فينحاز ليكون مع المقاتلة، ويومئذ يجوز إعرابه وبناؤه، فالإعراب، لأنه متمكن أضيف على تقدير الإضافة الحقيقية كقولك: هذا يوم ذاك، وأما البناء فلأنه أضيف إلى مبني إضافة غير حقيقية، فأشبه الأسماء المركبة.
المعنى: لما أمد الله سبحانه المسلمين بالملائكة، ووعدهم النصر والظفر بالكفار، نهاهم عقيبه عن الفرار، فقال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا) قيل: إنه خطاب لأهل بدر، وقيل: هو عام (إذا لقيتم الذين كفروا زحفا) أي: متدانين لقتالكم. قال الزجاج: معناه إذا واقفتموهم للقتال (فلا تولوهم الأدبار) يعني: فلا تجعلوا ظهوركم مما يليهم، أي: فلا تنهزموا (ومن يولهم يومئذ دبره) أي: ومن يجعل ظهره إليهم يوم القتال، ووجهه إلى جهة الإنهزام، وأراد بقوله (يومئذ) ذلك الوقت، ولم يرد به بياض النهار خاصة دون الليل (إلا متحرفا لقتال) أي: إلا تاركا موقفا إلى موقف آخر أصلح للقتال من الأول، عن الحسن. وقيل: معناه إلا منعطفا مستطردا كأنه يطلب عورة يمكنه إصابتها، فيتحرف عن وجهه، ويرى أنه يفر ثم يكر، والحرب كر وفر (أو متحيزا إلى فئة) أي منحازا منضما إلى جماعة من المسلمين، يريدون العود إلى القتال ليستعين بهم (فقد باء بغضب من الله) أي:
احتمل غضب الله واستحقه. وقيل: رجع بغضب من الله (ومأواه جهنم) أي:
مرجعه إلى جهنم (وبئس المصير) وأكثر المفسرين على أن هذا الوعيد خاص بيوم بدر خاصة، ولم يكن لهم يومئذ أن ينحازوا لأنه لم يكن يومئذ في الأرض فئة للمسلمين، فأما بعد ذلك فإن المسلمين بعضهم فئة لبعض، وهو قول أبي سعيد