الثاني، فأما القول الثاني، فقول أبي الحسن، ولا يصح عندنا إلا قول أبي الحسن، لأن قوله (لا تصيبن) لا يخلو إما أن يكون جواب شرط، ولا يجوز ذلك، لأن دخول النون فيه يكون لضرورة الشعر، كما أنشده سيبويه (ومهما تشأ منه فزارة تمنعن)، وإما أن يكون نهيا بعد أمر، فاستغنى عن استعمال حرف العطف معه، لاتصال الجملة الثانية بالأولى، كما مضى ذكر أمثاله من قوله: (ثلاثة رابعهم كلبهم)، (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) وهذا هو الصحيح دون الأول، قال: ومحال أن يكون جواب الأمر بلفظ النهي، كما يستحيل أن يكون جواب الشرط بلفظ النهي، لأن جواب الأمر في الحقيقة جواب الشرط، ولا يجوز أيضا أن يكون اللفظ لفظ النهي، والمعنى معنى الجزاء، لأن الجزاء خبر، فحكمه أن يكون على ألفاظ الأخبار، وألفاظ الأخبار لا تجئ على لفظ الأمر، إلا فيما علمته من قولهم أكرم به.
ومما يدل على أنه ليس بجزاء دخول النون فيه، والنون تدخل في الجزاء لما ذكرناه أنه خبر، ولا يجوز دخول النون في الخبر إلا في ضرورة الشعر نحو:
ربما أوفيت في علم ترفعن ثوبي شمالات (1) المعنى: ثم أمر سبحانه بطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول، أي: أجيبوا الله والرسول فيما يأمرانكم به، فإجابة الله والرسول طاعتهما فيما يدعوان إليه (إذا دعاكم لما يحييكم) قيل فيه أقوال: أحدها:
إن معناه: إذا دعاكم إلى الجهاد، واللام في معنى إلى. قال القتيبي، هو الشهادة، فإن الشهداء أحياء عند الله تعالى. وقال الجبائي: أي دعاكم إلى إحياء أمركم، وإعزاز دينكم، بجهاد عدوكم، مع نصر الله إياكم، وهو معنى قول الفراء وثانيها:
إن معناه: إذا دعاكم إلى الإيمان، فإنه حياة القلب، والكفر: موته، عن السدي.
وقيل: إلى الحق، عن مجاهد وثالثها: إن معناه: إذا دعاكم إلى القرآن والعلم في الدين، لأن الجهل موت، والعلم حياة، والقرآن سبب الحياة بالعلم، وفيه النجاة والعصمة، عن قتادة ورابعها: إن معناه: إذا دعاكم إلى الجنة لما فيها من الحياة الدائمة، ونعيم الأبد، عن أبي مسلم.
(واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) أي: يحول بين المرء، وبين الانتفاع