أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر، ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة، فبينا نحن هناك إذ دنت منا سحابة، فسمعنا فيها جمجمة الخيل، فسمعت قائلا يقول أقدم حيزوم (1)، ثم قال: فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه، وأما أنا فكدت أهلك، ثم تماسكت.
وروى عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم بدر: هذا جبرائيل آخذ برأس فرسه، عليه أداة الحرب، أورده البخاري في الصحيح. قال عكرمة، قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب، وكان الاسلام قد دخلنا أهل البيت، وأسلمت أم الفضل، وأسلمت، وكان العباس يهاب قومه، ويكره أن يخالفهم، وكان يكتم إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه، وكان أبو لهب عدو الله قد تخلف عن بدر، وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة، وكذلك صنعوا لم يتخلف رجل إلا بعث مكانه رجلا.
فلما جاء الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش كبته الله وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزا، قال: وكنت رجلا ضعيفا، وكنت أعمل القداح أنحتها في حجرة زمزم، فوالله إني لجالس فيها أنحت القداح، وعندي أم الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر، إذ أقبل الفاسق أبو لهب، يجر رجليه حتى جلس على طنب الحجرة، فكان ظهره إلى ظهري، فبينا هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان ابن حرث بن عبد المطلب، وقد قدم. فقال أبو لهب، هلم إلي يا ابن أخي فعندك الخبر. فجلس إليه والناس قيام عليه، فقال: يا ابن أخي! أخبرني كيف كان أمر الناس؟ قال: لا شئ والله، إن كان إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاؤوا وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق، بين السماء والأرض، ما تليق شيئا، ولا يقوم لها شئ.
قال أبو رافع: فرفعت طرف الحجرة بيدي، ثم قلت: تلك الملائكة. قال:
فرفع أبو لهب يده وضرب وجهي ضربة شديدة، فثاورته واحتملني فضرب بي الأرض، ثم برك علي يضربني، وكنت رجلا ضعيفا، فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة، فأخذته فضربته ضربة فلقت رأسه شجة منكرة، وقالت: تستضعفه