المشركين، وقلة عدد المسلمين، استقبل القبلة، وقال: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة، لا تعبد في الأرض. فما زال يهتف ربه مادا يديه حتى سقط رداؤه من منكبيه، فأنزل الله تعالى (إذ تستغيثون ربكم) الآية، عن عمر بن الخطاب، والسدي، وأبي صالح، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام قال:
ولما أمسى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجنه الليل، ألقى الله على أصحابه النعاس، وكانوا قد نزلوا في موضع كثير الرمل، لا يثبت فيه قدم، فأنزل الله عليهم المطر رذاذا (1) حتى لبد الأرض، وثبت أقدامهم، وكان المطر على قريش مثل العزالى (2)، وألقى الله في قلوبهم الرعب، كما قال الله تعالى (سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب).
المعنى: ثم ذكر سبحانه ما آتى المسلمين من النصر، فقال (إذ تستغيثون ربكم) أي: تستجيرون بربكم يوم بدر، من أعدائكم، وتسألونه النصر عليهم، لقلتكم وكثرتهم، فلم يكن لكم مفزع إلا التضرع إليه، والدعاء له، في كشف الضر عنكم، والاستغاثة: طلب المعونة والغوث. وقيل: معناه: تستنصرونه، والفرق بين المستنصر والمستجير أن المستنصر طالب الظفر، والمستجير طالب الخلاص (فاستجاب لكم) والاستجابة هي العطية على موافقة المسألة، فمعناه: فأغاثكم وأجاب دعاءكم (أني ممدكم) أي: مرسل إليكم مددا لكم (بألف من الملائكة مردفين) أي: متبعين ألفا آخر من الملائكة، لأن مع كل واحد منهم ردفا له، عن الجبائي، وقيل: معناه: مترادفين متتابعين، وكانوا ألفا بعضهم في أثر بعض، عن ابن عباس، وقتادة، والسدي. وقيل: معناه: بألف من الملائكة جاؤوا على أثر المسلمين، عن أبي حاتم.
(وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم) معناه: وما جعل الله الإمداد بالملائكة إلا بشرى لكم بالنصر، ولتسكن به قلوبكم، وتزول الوسوسة عنها، وإلا فملك واحد كاف للتدمير عليهم. كما فعل جبريل عليه السلام بقوم لوط، فأهلكهم بريشة واحدة، واختلف في أن الملائكة هل قاتلت يوم بدر أم لا، فقيل: ما قاتلت، ولكن شجعت وكثرت سواد المسلمين، وبشرت بالنصر، عن الجبائي. وقيل: إنها قاتلت، قال مجاهد: إنما أمدهم بألف مقاتل من الملائكة، فأما ما قاله سبحانه في