قال أبو علي: إنما حسن إضافة الدار إلى الآخرة، ولم يقبح من حيث استقبح إقامة الصفة مقام الموصوف، لأن الآخرة قد صارت كالأبطح والأبرق (1)، الا ترى أنه قد جاء (وللآخرة خير لك من الأولى) فاستعملت استعمال الأسماء، ولم يكن مثل الصفات التي لم تستعمل استعمال الأسماء، ومثل (الآخرة) في أنها استعملت استعمال الأسماء قولهم: الدنيا لما استعملت استعمال الأسماء، حسن أن لا يلحق لام التعريف في نحو قوله: (في سعي دنيا طال ما قد مدت).
وأما وجه القراءة بالياء في (أفلا يعقلون) فهو أنه قد تقدم في ذكر الغيبة في قوله: (للذين يتقون) ووجه القراءة بالتاء أنه يصلح أن يكون خطابا متوجها إليهم، ويصلح أن يكون المراد الغيب والمخاطبون فيغلب الخطاب.
اللغة: كل شئ أتى فجاءة فقد بغت، يقال بغته الأمر يبغته بغتة، قال الشاعر:
ولكنهم باتوا، ولم أخش بغتة، وأفظع شئ حين يفجأك البغت (2) والحسرة: شدة الندم، حتى يحسر النادم، كما يحسر الذي تقوم به دابته في السفر البعيد. والتفريط: التقصير، وأصله التقديم. والإفراط: التقديم في مجاوزة الحد. والتفريط: التقديم في العجز والتقصير. والوزر: الثقل في اللغة، واشتقاقه من الوزر، وهو الحبل الذي يعتصم به، ومنه قيل، وزير، كأنه يعتصم الملك به، ومثله قوله تعالى (واجعل لي وزيرا من أهلي). ويزرون: يفعلون، من وزر يزر وزرا: إذا أثم. وقيل: وزر فهو موزور: إذا فعل به ذلك، ومنه الحديث في النساء يتبعن جنازة قتيل لهن (3): (إرجعن موزورات غير مأجورات). والعامة تقول:
مأزورات. والعقل، والنهى، والحجى، متقاربة المعنى. فالعقل: الإمساك عن القبيح، وقصر النفس وحبسها، عن الحسن. قال الأصمعي: وبالدهناء خبراء (4) يقال له معقلة، قال: وتراها سميت معقلة لأنها تمسك الماء كما يعقل الدواء البطن، والنهى: لا يخلو أن يكون مصدرا كالهدى، أو جمعا كالظلم، وهو في معنى ثبات وحبس، ومنه النهي والتنهية للمكان الذي ينتهي إليه الماء، فيستنقع فيه، لتسفله،