(بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل) اختلف فيه على أقوال أحدها: إن معناه بل بدا لبعضهم من بعض ما كان علماؤهم يخفونه عن جهالهم وضعفائهم، مما في كتبهم، فبدا للضعفاء عنادهم. وثانيها: إن المراد بل بدا من أعمالهم ما كانوا يخفونه، فأظهره الله، وشهدت به جوارحهم، عن أبي روق. وثالثها: إن المعنى ظهر للذين اتبعوا الغواة، ما كان الغواة يخفونه عنهم، من أمر البعث والنشور، لأن المتصل بهذا قوله: (وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا) الآية، عن الزجاج، وهو قول الحسن. ورابعها: إن المراد بل بدا لهم وبال ما كانوا يخفونه من الكفر، عن المبرد. وكل هذه الأقوال بمعنى ظهرت فضيحتهم في الآخرة، وتهتكت أستارهم.
(ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) أي: لو ردوا إلى الدنيا، وإلى حال التكليف، كما طلبوه، لعادوا إلى ما نهوا عنه من الكفر والتكذيب (وإنهم لكاذبون) ويسأل على هذا فيقال: إن التمني كيف يصح فيه الكذب، وإنما يقع الكذب في الخبر؟ والجواب: إن من الناس، من حمل الكلام كله على وجه التمني، وصرف الكذب إلى غير الأمر الذي تمنوه، وقال: إن معناه هم كاذبون فيما يخبرون به عن أنفسهم في الدنيا من الإصابة، واعتقاد الحق، أو يكون المعنى: إنهم كاذبون إن خبروا عن أنفسهم، بأنهم متى ردوا آمنوا، وإن كان ما حكي عنهم من التمني، ليس بخبر، وقد يجوز أن يحمل على غير الكذب الحقيقي بأن يكون المراد أنهم تمنوا ما لا سبيل إليه فكذب أملهم وتمنيهم، وهذا مشهور في كلام العرب يقولون: كذبك أملك لمن تمنى ما لم يدرك، وقال الشاعر:
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها * بني شاب قرناها تصر وتحلب (1) وقال آخر:
كذبتم وبيت الله لا تأخذونها * مراغمة ما دام للسيف قائم والمراد ما ذكرناه من الخيبة في الأمل والتمني. فإن قيل: كيف يجوز أن يتمنوا الرد إلى الدنيا، وقد علموا أنهم لا يردون؟ فالجواب عنه من وجوه أحدها: إنا لا نعلم أن أهل الآخرة يعرفون جميع أ حكام الآخرة، وإنما نقول: إنهم يعرفون الله