الفعل، مثل زنيته، وفسقته، نسبته إلى الزنا والفسق. وقد جاء في هذا المعنى أفعلته: قالوا أسقيته أي: قلت له سقاك الله، قال ذو الرمة:
وأسقيه حتى كاد مما أبثه (1) تكلمني أحجاره وملاعبه فيجوز على هذا أن يكون معنى القراءتين واحدا، ويجوز أن يكون (لا يكذبونك) أي: لا يصادفونك كاذبا، كما تقول أحمدته: إذا أصبته محمودا، ويدل على الوجه الأول، قول الكميت:
وطائفة قد أكفرتني بحبكم، وطائفة قالت: مسئ ومذنب أي: نسبتني إلى الكفر. قال أحمد بن يحيى: كان الكسائي يحكي عن العرب: أكذبت الرجل إذا أخبرت أنه جاءك بكذب، وكذبته: إذا أخبرت أنه كاذب.
المعنى: ثم سلى سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على تكذيبهم إياه، بعد إقامة الحجة عليهم، فقال: (قد نعلم) نحن يا محمد (إنه ليحزنك الذي يقولون) أي: ما يقولون إنك شاعر، أو مجنون، وأشباه ذلك (فإنهم لا يكذبونك): دخلت الفاء في إنهم لأن الكلام الأول يقتضيه، كأنه قيل: إذا كان قد يحزنك قولهم، فاعلم أنهم لا يكذبونك.
واختلف في معناه على وجوه أحدها: إن معناه لا يكذبونك بقلوبهم اعتقادا، وإن كانوا يظهرون بأفواههم التكذيب عنادا، وهو قول أكثر المفسرين، عن أبي صالح، وقتادة، والسدي، وغيرهم، قالوا: يريد أنهم يعلمون أنك رسول الله، . ولكن يجحدون بعد المعرفة، ويشهد لهذا الوجه ما روى سلام بن مسكين، عن أبي يزيد المدني، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقي أبا جهل، فصافحه أبو جهل، فقيل له في ذلك، فقال: والله إني لأعلم أنه صادق، ولكنا متى كنا تبعا لعبد مناف فأنزل الله هذه الآية.
وقال السدي: التقى أخنس بن شريق، وأبو جهل بن هشام، فقال له: يا أبا الحكم! أخبرني عن محمد، أصادق هو أم كاذب، فإنه ليس ههنا أحد غيري وغيرك