(فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره): أخبر سبحانه أنه أمرهم بعبادة الله وحده، لأنه لا إله لهم غيره، ولا معبود لهم سواه، ثم أوعدهم على مخالفته فقال (إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) إنما قال أخاف، ولم يقطع، لأنه جوز أن يؤمنوا. ثم ذكر سبحانه جوابهم، فقال: (قال الملأ من قومه) أي: الجماعة من قومه، عن الجبائي. وقيل: الأشراف والرؤساء الذين يملأون الصدور هيبا وجمالا، عن أبي مسلم (إنا لنراك في ضلال مبين) قيل: معناه رؤية القلب الذي هو العلم، أي: إنا لنعلمك في ذهاب من الحق بين ظاهر، لدعائك إيانا إلى ترك عبادة الأصنام. وقيل: معناه رؤية البصر أي: نراك بأبصارنا على هذه الحال. وقيل: إنه من الرأي الذي هو غالب الظن، فكأنه قال: إنا لنظنك.
(قال يا قوم ليس بي ضلالة) هذا إخبار عما أجابهم به نوح عليه السلام أي: ليس بي عدول عن الحق، ولا ذهاب عن الصواب، يقال: به ضلالة، لأن معناه عرض به ذاك، كما يقال به جنة، ولا يجوز أن يقال: به معرفة، لأنها ليست مما يعرض لصاحبها، ولكن يصح أن يقال: به جوع، وبه عطش (ولكني رسول من رب العالمين) الذي يملك كل شئ (أبلغكم رسالات ربي) أي: أؤدي إليكم ما حملني ربي من الرسالات.
(وأنصح لكم) في تبليغ الرسالة على وجهها، من غير تغيير، ولا زيادة، ولا نقصان، (وأعلم من الله) أي: من صفات الله وتوحيده، وعدله، وحكمته (ما لا تعلمون) وقيل: أعلم من دين الله. وقيل: أعلم من قدرته وسلطانه، وشدة عقابه، ما لا تعلمونه، والكل محتمل. وقيل: إنما قال ذلك لأن قوم نوح لم يسمعوا قط أن الله سبحانه، عذب قوما، وقد سمعت الأمم بعدهم هلاك من قبلهم، ألا ترى أن هودا قال: (جعلكم خلفاء من بعد نوح) وقال شعيب: (مثل ما أصاب نوح) (أو عجبتم) هذه همزة استفهام دخلت على واو العطف، على جهة الانكار، فبقيت الواو مفتوحة، كما كانت. فالكلام مستأنف من وجه متصل من وجه.
(أن جاركم ذكر) أي: لأن جاءكم بيان، وقيل: نبوة ورسالة (من ربكم على رجل منكم لينذركم) أي على بشر مثلكم ليخوفكم العقاب إن لم تؤمنوا، وقيل: إن (على) هنا بمعنى مع أي: مع رجل منكم تعرفون مولده ومنشأه، ليعلمكم