وحجة من رفع قوله (ما من إله إلا الله) فكما أن قوله (إلا الله) بدل من قوله (من إله) كذلك قوله (غيره) يكون بدلا من قوله (من إله) و (غيره) يكون بمنزلة الاسم الذي بعد إلا. وهذا الذي ذكرنا أولى أن يحمل عليه من أن يجعل (غير) صفة لإله على الموضع.
فإن قلت: ما تنكر أن يكون (إلا الله) صفة لقوله (من إله) على الموضع كما كان قوله: (لو كان فيهما آلهة إلا الله) صفة لآلهة؟ قيل: إن (إلا) بكونها استثناء أعرف وأكثر من كونها صفة، وإنما جعلت صفة على التشبيه بغير، فإذا كان الاستثناء أولى، حملنا هل من خالق غير الله، على الاستثناء من المنفي في المعنى، لأن قوله: هل من خالق غير الله بمنزلة ما من خالق غير الله. ولا بد من إضمار الخبر.
كأنه ما من خالق للعالم غير الله (1) ويؤكد ذلك: (لا إله إلا الله) فهذا استثناء من منفي، مثل لا أحد في الدار إلا زيد.
فأما قراءة حمزة والكسائي: (هل من خالق غير الله) فعلى أن جعلا (غير) صفة للخالق، وأضمرا الخبر، كما تقدم، والباقون جعلوه استثناء بدلا من المنفي، وهو الأولى عندنا، لما تقدم من الاستشهاد عليه من قوله (ما من إله إلا الله) و (أبلغكم) فالقول فيه أن بلغ يتعدى إلى مفعول في نحو بلغني الخبر، فإذا نقلته تعدى إلى مفعولين. والنقل يكون بالهمزة، وبتضعيف العين، وكلا الأمرين جاء به التنزيل، قال سبحانه (يا أيها الرسول بلغ) إلى قوله: (فما بلغت رسالته) وقال:
(فإن تولوا فقد أبلغتكم) (وليعلم أن قد أبلغوا).
اللغة: الملأ: الجماعة من الرجال خاصة، ومثله القوم، والنفر، والرهط، عن الفراء. وسموا بذلك، لأنهم يملأون المحافل. والقوم: الجمع الذي يقوم بالأمر، سموا بالمصدر. والإبلاغ: إيصال ما فيه بيان، وإفهام. ومنه البلاغة وهو إيصال المعنى إلى النفس بأحسن صورة من اللفظ. والبليغ: الذي ينشئ البلاغة، لا الذي يأتي بها على وجه الحكاية، والفرق بين الإبلاغ والأداء أن الأداء: إيصال الشئ على الوجه الذي يجب فيه، ومنه فلان أدى الدين أداء، وفلان حسن الأداء لما يسمع، وحسن الأداء للقراءة. والرسالات: جمع رسالة، وهي جملة من البيان