يحتمل أن يكون (من) للتبعيض، ويحتمل أن يكون لتبيين الجنس (كذلك نخرج الموتى) أي: كما أخرجنا الثمرات، كذلك نخرج الموتى، بأن نحييها بعد موتها (لعلكم تذكرون) أي: لكي تتذكروا، وتتفكروا، وتعتبروا، بأن من قدر على إنشاء الأشجار والثمار في البلد الذي لا ماء فيه، ولا زرع، بريح يرسلها، فإنه يقدر على إحياء الأموات بأن يعيدها إلى ما كانت عليه، ويخلق فيها الحياة والقدرة.
واستدل أبو القاسم البلخي بهذه الآية على أن كثيرا من الأشياء يكون بالطبع، قال لأن الله تعالى بين أنه يخرج الثمرات بالماء الذي ينزله من السماء، ثم قال: ولا ينبغي أن ينكر ذلك، وإنما ينكر قول من يقول بقدم الطبائع، وأن الجهادات فاعلة، فأما من قال إن الله تعالى هو الفاعل لهذه الأشياء غير أنه يفعلها تارة مخترعة بلا وسائط، وتارة يفعلها بوسائط، فلا كراهة في ذلك، كما تقول السبب والمسبب.
وأنكر عليه هذا القول أكثر أهل العدل، وقالوا: إن الله سبحانه أجرى العادة باخراج النبات عند إنزال المطر مع قدرته على اخراج ذلك، من غير مطر، لما تقتضيه الحكمة من وجوه المصالح الدينية والدنيوية.
ثم بين سبحانه حال الأرض التي يأتيها المطر فقال (والبلد الطيب) معناه:
والأرض الطيب ترابه (يخرج نباته) أي: زروعه خروجا، حسنا، ناميا، زاكيا، من غير كد، ولا عناء (بإذن ربه) بأمر الله تعالى، وإنما قال (بإذن ربه) ليكون أدل على العظمة، ونفوذ الإرادة، من غير تعب، ولا نصب (والذي خبث لا يخرج إلا نكدا) أي: والأرض السبخة التي خبث ترابها، لا يخرج ريعها إلا شيئا قليلا، لا ينتفع به، عن السدي. ومعناه إلا عسرا ممتنعا من الخروج. ولو أراد سبحانه أن يخرج من الأرض النكدة أكثر مما يخرج من الأرض الطيبة لأمكنه، إلا أنه أجرى العادة باخراجه من الأرض الطيبة، ليكون ذلك باعثا للإنسان على طلب الخير من مظانه، ودلالة له على وجوب الاجتهاد في الطاعات، فإذا حمل نفسه على ابتغاء الخير اليسير الذي لا يدوم، وربما لا يحصل، فأن يبتغي النعيم الدائم الذي لا يفنى، ولا يبيد بالأعمال الصالحة أولى.
(كذلك نصرف الآيات) أي: الدلالات المختلفة (لقوم يشكرون) معناه:
كما بينا هذا المثل نبين الدلالات للشاكرين. وقيل: كما صرفنا الآيات لكم بالإتيان