المتأخرين في المسألة متناقض إلى أن يبدو لنا الفرق بين المقامين وأنى لهم به مع اتحاد موضوع المسألتين والذي يظهر في المسألة ودل عليه إطلاق النص إن الماء متى كان قدر كر متصلا ثم عرضت له النجاسة لم تؤثر فيه إلا مع التغير سواء كان متساوي السطوح أم مختلفها وإن كان أقل من كر نجس بالملاقاة مع تساوى سطوحه وإلا الأسفل خاصة ثم إن اتصل بالكثير بعد الحكم بنجاسته اعتبر في الحكم بطهره مساواة سطوحه لسطوح الكثير أو علو الكثير عليه فلو كان النجس أعلى لم يطهر والفرق بين الموضعين إن المتنجس يشترط ورود المطهر عليه ولا يكفي وروده على المطهر خلافا للمرتضى كما سيأتي فإذا كان سطحه أعلى من سطح الكثير لم يكن الكثير واردا عليه ولكن يشكل على هذا الحكم مع تساوى السطوح إذ لا يتحقق ورود الطاهر حينئذ مع اتفاق كلامهم على طهر المتنجس حينئذ ويمكن حله بأن جماعة من الأصحاب منهم المصنف رحمهم الله في التذكرة والشهيد في الذكرى شرطوا في طهر النجس في هذه الحالة امتزاج الطاهر به ولم يكتفوا بمجرد المماسة وهذا الشرط في الحقيقة يرجع إلى علو الجاري إذ لا يتحقق الامتزاج بدونه وحينئذ يتحقق الشرط وهو ورود الطاهر على النجس ويزول الاشكال وهذا الشرط حسن في موضعه مع احتمال عدم اشتراط شئ من ذلك بل الاكتفاء بمجرد اجتماع الكر لصدق الوحدة الموجبة للكثرة الدافعة للنجاسة خصوصا لو ثبت قوله صلى الله عليه وآله إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا وإطلاق جماعة من الأصحاب يدل عليه لكن العمل على ما ذكرناه أقوى لعدم ثبوت الخبر وإنما الخبر الذي ورد صحيحا ما أسلفناه من قوله عليه السلام إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله وحينئذ لا يدل اجتماع الماء قدر كر إلا على عدم قبوله للنجاسة الطارية لا على رفعه للسابقة نعم يلزم ذلك لمثل الشيخ علي رحمه الله حيث عمل بمضمون الخبر وحكم بطهر النجس إذا بلغ كرا وإن كان في هذه المسألة قد أنكر الطهارة وتقوية الأسفل للأعلى وأقوى ما يحتج به على ذلك إن الأسفل والأعلى لو اتحدا في الحكم لزم تنجسهما بالملاقاة مع القلة فيلزم تنجس كل ماء أعلى متصل بماء أسفل مع القلة وهو معلوم البطلان وحيث لم ينجس بنجاسته لم يطهر بطهره وهو الجزء الممتزج من أسفله بالكثير مثلا وهذه حجة متينة لكن يجاب عنها من حيث المعارضة والحل أما الأول فلموافقتهم في مسألة الجاري لا عن مادة على عدم نجاسة المجموع إذا كان كرا وأصابته نجاسة غير مغيرة (أو كانت مغيرة صح) ولم يقطع عمود الماء وكان الباقي من الأعلى والأسفل كرا أو قطع عمود الماء مع كون الأسفل كرا وفي كل هذه الصور يتقوى الأعلى بالأسفل وإلا لزم الحكم بنجاسته وبيان ذلك إن الجزء من الماء المتصل بالنجاسة أو المساوي لها في السطح ينجس بها لمماسته لها مع عدم الكثرة المتصلة به من أعلى كما هو المفروض ثم ذلك الجزء يماس جزءا آخر وهلم جزءا إلى آخر الأسفل فلو لم يتقو الأعلى بالأسفل لزم نجاسة جميع ما جاوز النجاسة إلى المنتهى السفلى وإن كان كثيرا مع حكمهم بعدم نجاسته وأما الثاني فلانا نمنع من استلزام ذلك نجاسة الأعلى فإنا لم نحكم عليه بالطهارة لمجرد التقوية أو الاتصال بل لدخوله في عموم الخبر أو إطلاقه فإنه يصدق عليه أنه كر فلا ينجسه شئ بخلاف ما نقص عنه وأما عدم نجاسة الأعلى على تقدير القلة فالاجماع منعقد على أن النجاسة لا تسرى إلى الأعلى مطلقا ولا خصوصية لذلك بالماء ولا بغيره بل يأتي في المايعات التي لا يقوى بعضها بعضا مطلقا لعدم تعقل سريان النجاسة إلى الأعلى مع كون حركته إلى جهة النجاسة ولو كان كذلك لما أمكن الحكم بطهر شئ بالقليل لأنه عند صب الماء واتصاله بالنجس ينجس الماء في الآنية المصبوب منها وتنجس الآنية وذلك كله خلاف الاجماع وجملة الجواب يرجع إلى أن تقوى الأعلى بالأسفل على تقدير الكثرة إنما هو بالنص لا بالاستنباط ولا يرد النقض باستلزامه نجاسة الأعلى حينئذ ويتفرع على ما
(١٣٦)