الانفعال بالملاقاة وتعليق الحكم بالوصف الذي هو الجريان ليس هو الحكم المتنازع لعدم دلالة الحديث عليه وما دل عليه لا تنازع فيه هذا مع تسليم العمل بالعلية المدعاة والأصل المذكور قد عدل عنه للدليل الدال على انفعال ما دون الكر بالخبث وقد بالغ الشيخ على رحمه الله فادعى الاجماع على عدم اشتراط الكرية بناء على أن المخالف معلوم النسب ولم يذكر ذلك غيره وإنما قال الشهيد رحمه الله لا أعلم مخالفا وعدم العلم لا يدل على العدم مع أن عدم علمه به غريب وقد أسلفنا في باب الحيض ما يدل على عدم صحة هذه الدعوى مع أنه يمكن معارضة هذا الاجماع لان المخالف المعلو النسب وإن كان مائة لا حجة في قوله ونحن لو حاولنا معرفة من قال بعدم الاشتراط لم نقدر على عشرة مع أن جماعة من المتأخرين غير المصنف رحمه الله وافقوه على مقالته ولا شك أن للشهرة ترجيحا إلا أن الدليل على مدعاها غير قائم ولعله أرجح منها وعلى القولين لا فرق في الجاري بين دائم النبع صيفا وشتاء وبين المنقطع أحيانا لاشتراكهما في اسم النابع والجاري حقيقة (فكل ما صح) فكما دل على أحدهما دل عليهما إذ الدليل محصور فيما ذكر وفرق الشهيد في الدروس بين دائم النبع وغيره فلم يشترط الكرية في الأول وشرطها في الثاني فعنده الشرط في الجاري أحد الامرين أما الكرية أو دوام النبع وتبعه الشيخ جمال الدين بن فهد في الموجز ونحن نطالبهما بدليل شرعي على ذلك فإن تغير بعض الجاري نجس المتغير خاصة دون ما فوقه وما تحته وما حاذاه إلا أن ينقص ما تحته عن الكر ويستوعب التغير عمود الماء وهو خط مما بين حافيته عرضا وعمقا فينجس ما تحت المتغير أيضا لتحقق الانفصال وعلى القول باشتراط الكرية أو كان الجاري لا عن مادة ولاقته نجاسة لم ينجس ما فوقها مطلقا ولا ما تحتها إن كان جميعه كرا إلا مع تغير بعض الكر فينجس الأسفل أو استيعاب التغير ما بين الحافتين فيشترط في طهارة الأسفل كريته كذا فصله جماعة من المتأخرين واعلم أن في هذا المقام بحثا وفي كلام القوم في هذا التفصيل اضطرابا وتحرير المقام إن النصوص الدالة على اعتبار الكثرة مثل قوله عليه السلام إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ وكلام أكثر الأصحاب ليس فيه تقييد الكر المجتمع بكون سطوحه مستوية بل هو أعم منه ومن المختلف كيف اتفق وقد ذكر المصنف في كتبه وغيره في عدة مسائل كهذه المسألة ومسألة الغديرين الموصول بينهما بساقية ومسألة القليل الواقف إذا اتصل بالجاري فإنه حكم باتحاد حكم الغديرين مع الساقية فمتى كان المجموع كرا لم ينفعل بالملاقاة ومثله في القليل المتصل بالجاري ومقتضى هذا الاطلاق الموجود في النص و الفتوى إن كلا من العالي والسافل يتقوى بالآخر وتفصيلهم هذا الذي حكيناه في أول المسألة صريح فيه فإنهم حكموا فيه بأنه متى كان المجموع كرا ولم يتغير بعضه لم ينجس وكذا لو قطعت النجاسة عمود الماء مع كون الأسفل كرا فلو تقوى الأعلى بالأسفل لزم نجاسة الأعلى من الأسفل متى نقص عن كر مطلقا وقد قيد هذا الاطلاق جماعة من المتأخرين كالشهيد والشيخ علي رحمهم الله فذكروا في مسألة الغديرين والقليل المتصل بالجاري إن الاتحاد لا يحصل بينهما إلا مع تساوى السطوح أو علو الغدير الكثير والجاري على القليل فلو انعكس الفرض بأن كان الغدير القليل أعلى نجس بالملاقاة وكذا الواقف المتصل بالجاري بناء منهم على أن الأعلى لا يتقوى بالأسفل مع أنهم وافقوا في مسألة الكتاب على التفصيل المتقدم المستلزم لتقوية كل منهما للاخر وإطلاق النص يدل عليه ويلزمهم من عدم تقوية الأسفل أن ينجس كل ما كان تحت النجاسة من الماء المنحدر وإن كثر جدا وهو غير موافق للحكمة ولا يدل عليه دليل بل يلزم على هذا نجاسة الجاري على القول باشتراط كريته مع عدم تساوى سطوحه في كل ما سفل منه عن النجاسة وإن كان نهرا عظيما ما لم يكن فوقه (نوقها خ ل) منه كر وهذا كله مستبعد جدا بل باطل وبالجملة فكلام
(١٣٥)