كتاب بعده - إلى أن قال: فجعله النبي صلى الله عليه وآله علما باقيا في أوصيائه، فتركهم الناس، وهم الشهداء على أهل كل زمان حتى عاندوا من أظهر ولاية ولاة الأمر وطلب علومهم، وذلك أنهم ضربوا القرآن بعضه ببعض واحتجوا بالمنسوخ وهم يظنون أنه الناسخ، واحتجوا بالخاص وهم يقدرون أنه العام، واحتجوا بأول الآية وتركوا السنة في تأويلها، ولم ينظروا إلى ما يفتح الكلام وإلى ما يختمه، ولم يعرفوا موارده ومصادره إذ لم يأخذوه عن أهله، فضلوا وأضلوا، ثم ذكر عليه السلام كلاما طويلا في تقسيم القرآن إلى أقسام وفنون ووجوه تزيد على مائة وعشرة إلى أن قال عليه السلام:
وهذا دليل واضح على أن كلام الباري سبحانه لا يشبه كلام الخلق، كما لا تشبه أفعاله أفعالهم، ولهذه العلة وأشباهها لا يبلغ أحد كنه معنى حقيقة تفسير كتاب الله تعالى إلا نبيه وأوصياؤه عليهم السلام - إلى أن قال: ثم سألوه عليه السلام عن تفسير المحكم من كتاب الله، فقال: أما المحكم الذي لم ينسخه شئ فقوله عز وجل: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) الآية وإنما هلك الناس في المتشابه لأنهم لم يقفوا على معناه، ولم يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بآرائهم، واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء ونبذوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وراء ظهورهم الحديث.
63 - الحسن بن علي العسكري عليه السلام في تفسيره بعد كلام طويل في فضل القرآن قال: أتدرون من المتمسك به الذي له بتمسكه هذا الشرف العظيم؟
هو الذي أخذ القرآن وتأويله عنا أهل البيت عن وسائطنا السفراء عنا إلى شيعتنا لا عن آراء المجادلين وقياس الفاسقين، فأما من قال في القرآن برأيه فان اتفق له مصادفة صواب فقد جهل في أخذه عن غير أهله، وكان كمن سلك مسبعا من غير حفاظ يحفظونه، فان اتفقت له السلامة فهو لا يعدم من العقلاء الذم والتوبيخ، وإن اتفق له افتراس السبع فقد جمع إلى هلاكه سقوطه عند الخيرين الفاضلين، وعند العوام الجاهلين، وإن أخطأ القائل في القرآن برأيه فقد تبوء مقعده من النار، وكان مثله