وأما قولهم: قد يخفى على ميمونة إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ تزوجها فكلام سخيف، ويعارضون بأن يقال لهم: قد يخفى على ابن عباس إحلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من إحرامه، فالمخبرة عن كونه قد أحل زائدة علما فحصلنا على قد يخفى وقد لا يخفى * وأما قولهم: خبر ابن عباس وارد بحكم زائد فليس كذلك بل خبر عثمان هو الوارد بالحكم الزائد على ما نبين إن شاء الله تعالى، فبطل كال ما شغبوا به، فبقي ان نرجح خبر عثمان. وخبر ميمونة على خبر ابن عباس رضى الله عن جميعهم * فنقول وبالله تعالى التوفيق: خبر يزيد عن ميمونة هو الحق، وقول ابن عباس وهم منه بلا شك لوجوه بينة * أولها أنها رضي الله عنها أعلم بنفسها من ابن عباس لاختصاصها بتلك القصة دونه، هذا مالا يشك فيه أحد * وثانيها أنها رضي الله عنها كانت حينئذ امرأة كاملة وكان ابن عباس رضي الله عنه يومئذ ابن عشرة أعوام وأشهر فبين الضبطين فرق لا يخفى * والثالث أنه عليه السلام إنما تزوجها في عمرة القضاء هذا مالا يختلف فيه اثنان ومكة يومئذ دار حرب وإنما هادنهم عليه السلام على أن يدخلها معتمرا ويبقى بها ثلاثة أيام فقط ثم يخرج فأتى من المدينة محرما بعمرة ولم يقدم شيئا إذ دخل على الطواف والسعي وتم إحرامه في الوقت ولم يختلف أحد في أنه إنما تزوجها بمكة حاضرا بها لا بالمدينة، فصح أنه بلا شك إنما تزوجها بعد تمام إحرامه لافى حال طوافه وسعيه، فارتفع الاشكال جملة، وبقى خبر ميمونة. وخبر عثمان لا معارض لهما والحمد لله رب العالمين * ثم لو صح خبر ابن عباس بيقين ولم يصح خبر ميمونة لكان خبر عثمان هو الزائد الوارد بحكم لا يحل خلافه لان النكاح مذ أباحه الله تعالى حلال في كل حال للصائم. والمحرم.
والمجاهد. والمعتكف، وغيرهم هذا مالا شك فيه، ثم لما (1) أمر عليه السلام بأن لا ينكح (2) المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب كان ذلك بلا شك ناسخا للحال المتقدمة من الإباحة لا يمكن غير هذا أصلا، وكأن يكون خبر ابن عباس منسوخا بلا شك لموافقته للحالة المنسوخة بيقين، ومن ادعى في حكم قد صح نسخه وبطلانه انه قد عاد حكمه وبطل نسخه فقد كذب أو قطع بالظن ان لم يحقق ذلك، وكلاهما لا يحل القول به ولا يجوز ترك اليقين للظنون * قال أبو محمد: وقالوا: لما حل له شراء جارية للوطئ ولا يطأ حل له نكاح زوجة للوطئ ولا يطأ فقلنا لهم: لو استعملتم هذا في قولكم: لا يكون صداق يستباح به الفرج أقل من عشرة دراهم فهلا قلتم: كما حل له استباحة فرج جارية محرمة بأن يبتاعها بدرهم حل له فرج زوجة محرمة بأن يصدقها درهما؟ والقياسات لا يعارض بها الحق لان القياس