ومنه يظهر الخدشة في الطائفة الثالثة، حيث أن مشاهد الزور التي مدح الله تعالى من لا يشهدها هي مجالس التغني بالأباطيل من الكلام، فالانصاف أنها لا تدل على حرمة نفس الكيفية، إلا من حيث اشعار لهو الحديث بكون اللهو عن اطلاقه مبغوضا لله تعالى وكذا (الزور) بمعنى باطل، وإن تحققا في كيفية الكلام لا في نفسه، كما إذا تغنى في كلام حق من قرآن أو دعاء أو مرثية.
وبالجملة: فكل صوت يعد في نفسه مع قطع النظر عن الكلام المتصوت به لهوا وباطلا فهو حرام).
ثم قال بعد ايراد أخبار استظهر منها الدلالة على حرمة الغناء من حيث اللهو والباطل: (فالغناء وهو من مقولة الكيفية للأصوات كما سيجئ إن كان مساويا للصوت اللهوي والباطل كما هو الأقوى وسيجئ فهو، وإن كان أعم وجب تقييده بما كان من هذا العنوان، كما أنه لو كان أخص وجب التعدي عنه إلى مطلق الصوت الخارج على وجه اللهو.
وبالجملة فالمحرم هو ما كان من لحون أهل الفسوق والمعاصي التي ورد النهي عن قراءة القرآن بها، سواء كان مساويا للغناء أو أعم أو أخص، مع أن الظاهر أن ليس الغناء إلا هو وإن اختلفت عبارات الفقهاء واللغويين).
أقول: وهناك طائفة من الأخبار تدل على حرمة الغناء بعنوانه كقوله عليه السلام: (شر الأصوات الغناء) وما دل على ذم التغني بالقرآن واتخاذه مزامير، وما دل على أن (أجر المغني والمغنية سحت) وغير ذلك، فإن النهي عن التغني بالقرآن يدل على حرمة (الغناء) من حيث نفسه، لوضوح أن التلهي بالقرآن ليس من الأمور المتعارفة في مجالس اللهو والتغني.
وعلى الجملة فكلما صدق عليه (الغناء) فهو حرام، وانطباق عنوان آخر