والقول الثاني محكي عن الشيخ في النهاية، وقد استدل له بأن التهمة المانعة من قبول الشهادة موجودة في حقوق الله والمصالح العامة وفي حقوق الآدميين على السواء، فيمنع من القبول فيهما، لتساويهما في العلة.
وفي الرياض بعد أن ذكر دليل القول بالقبول: (وفي هذا نظر، إذ ليس فيه ما يفيد تقييد الأدلة المانعة عن قبول الشهادة مع التهمة بعد حصولها، كما هو فرض المسألة بحقوق الآدميين خاصة، ومجرد عدم المدعي لحقوق الله تعالى لا يرفع التهمة، ولا يفيد التقييد المزبور، إذ لا دليل على إفادته له من اجماع أو رواية، وأداء عدم القبول فيها إلى سقوطها لا دلالة فيه على أحد الأمرين أصلا، ولا محذور في سقوطها مع عدم قبولها، بل هو مطلوب لبناء حقوق الله تعالى على التخفيف، اتفاقا فتوى ونصا).
أقول: إن المنع من قبول شهادة المتبرع في موجبات الحدود يؤدي إلى سقوطها رأسا، ومعنى ذلك انتفاء الحكمة في تشريعها لا إلى التخفيف فيها، لانحصار طريق ثبوتها حينئذ بالاقرار وهو نادر جدا.
إلا أنه لبناء حقوق الله تعالى على التخفيف جعل لقبول الشهادة في موجبات الحدود أحكاما كثيرة وشديدة.
قال: (ولو سلم فإنما يؤدي إلى السقوط لو ردوه مطلقا، سواء كان في مجلس التبرع أو غيره، أما لو خص الرد بالأول كما هو رأي بعض في حقوق الآدميين فلا يؤدي إلى السقوط، لامكان قبوله لو أدى في مجلس آخر من غير تبرع ثانيا) أي: يعيد الشهادة بعد أمر الحاكم بإقامتها بطلب من المدعي.
قال: (وبما ذكرنا يظهر قوة القول الأول. إلا أن ندرة القائل به، بل وعدمه، لرجوع الشيخ عنه في المبسوط إلى خلافه، واشتهاره بين المتأخرين أوجب