بالسرقة الأخيرة، ويطالب بالسرقتين معا، لأن حدود الله تعالى إذا توالت تداخلت على ما قدمناه (1)، لأنها مبنية على التخفيف.
وكذلك إذا شهد الشهود على سارق بالسرقة دفعتين، لم يكن عليه أكثر من قطع اليد، فإن شهدوا عليه بالسرقة الأولى، وأمسكوا حتى يقطع، ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة، وجب عليه قطع رجله بالسرقة الأخيرة، على ما بيناه، هذا عند بعض أصحابنا برواية رويت (2) أوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته (3)، وقواها في مسائل خلافة (4)، وضعفها.
إلا أنه رجع عن ذلك كله في مبسوطه، فقال إذا تكررت منه السرقة فسرق مرارا من واحد أو من جماعة، ولم يقطع، فالقطع مرة واحدة، لأنه حد من حدود الله، فإذا ترادفت تداخلت، كحد الزنا وشرب الخمر، فإذا ثبت أن القطع واحد، فإن اجتمع المسروق منهم وطالبوه بأجمعهم، قطعناه وغرم لهم، وإن سبق واحد منهم فطالب بما سرق منه وكان نصابا غرم وقطع، ثم كل من كان بعده من القوم فطالب بما سرق منه غرمناه، ولم نقطعه، لأنا قد قطعناه بالسرقة، فلا يقطع قبل أن يسرق مرة أخرى، هذا آخر كلامه في المبسوطة (5).
وهو الذي يقوى في نفسي، وأعمل عليه، لأن الأصل براءة الذمة، ولقوله تعالى " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " (6) وقد قطعنا وامتثلنا المأمور به، وتكراره يحتاج إلى دليل، ولم يسرق بعد قطعنا له دفعة ثانية حتى نقطعه بسرقة الثانية، فيتكرر المأمور بتكرر سببه، ولا يلتفت في مثل هذا إلى رواية وأخبار آحاد، لا توجب علما ولا عملا.
وشيخنا قال في مسائل خلافه عندها قال المخالف (7) لا يقطع قال: وهذا قوي، غير أن الرواية ما قلناه (8)، فجعلها رواية لا دراية.