ولزومها، فهذا الضرب من الهبة الذي لا يجوز بعد القبض الرجوع فيها بحال.
فأما ذو الرحم غير الولد، فبعض أصحابنا يجريه مجرى الولد الأكبر، ويذهب إلى أنه لا يجوز للواهب الرجوع في الهبة بعد إقباضها إياه، وهو اختيار شيخنا أبي جعفر في نهايته (1)، وبعض يذهب إلى أن له الرجوع بعد القبض، ويجريه مجرى الأجنبي، وهو الذي يذهب إليه شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه (2)، وهو الذي يقوى في نفسي.
فأما الضرب الذي يجوز له الرجوع في الهبة بعد الإقباض، فهي الهبة للأجنبي، ولذي الرحم غير الولد، على الأظهر الأصح عند أصحابنا، فإذا وهب الأجنبي، وقبضه إياها، فللواهب الرجوع فيها ما لم يضف الموهوب له إلى القبض أحد ثلاثة أشياء، إما أن يعوض عنها الواهب، سواء كان العوض مثلها، أو أقل منها، أو أكثر، أو يتصرف فيها، أو تستهلك عينها، فمتى أضاف إلى القبض أحد الثلاثة الأشياء، فلا يجوز للواهب الرجوع فيها بحال، لقوله تعالى " أوفوا بالعقود " (3) وهذا عقد يجب الوفاء به، وما عدا هذا الموضع مما يجوز للواهب الرجوع في هبته، أخرجناه بدليل، وهو الإجماع من أصحابنا.
فإذا تقرر هذا، فهي من العقود الجايزة، يحتاج إلى إيجاب وقبول.
ومن شرط لزومها الإقباض، وذهب الأكثرون من أصحابنا، إلى أن من شرط انعقادها وصحته الإقباض بإذن الواهب (4)، فمتى قبضها الموهوب له بغير إذن الواهب، كان القبض فاسدا.
ويكره أن يرجع الإنسان فيما يهبه لزوجته، وكذلك يكره للمرأة الرجوع فيما تهبه لزوجها.
وقد قلنا (5) إنه لا يجوز للإنسان أن يرجع فيما يهبه لوجه الله تعالى بعد الإقباض على حال، وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته، وما تصدق الإنسان به لوجه الله، فلا يجوز له أن يعود إليه بالبيع والهبة والشراء، فإن رجع إليه بالميراث كان جايزا (6).