الفتي من الضأن، كان أفضل مما كان من حيوان أبرد مثل غيره، لان هذا الأخير أقل الحيوان حرارة وأكثرها رطوبة. ولذلك نسبته الأوائل إلى برودة الزيت الانفاق، ولهذه الجهة صار غليظا بطئ الانهضام عسير النفوذ في العروق من قبل أن كثرة الرطوبة تحتاج إلى حرارة تعين على هضمها وتطرق لها، وإلا تفججت وعسر انهضامها.
وأما اختلاف غذاء الحيوان من قبل سنه فيكون على أربعة ضروب: لان منه الصغير جدا مثل الرضيع القريب العهد بالولادة، ومنه الفتي البعيد من الولادة إلا أنه بعد في النشوء أعني الحولي، ومنه الفتي الذي قد انتهى في النمو، ومنه الهرم الطاعن في السن.
فأما السن الأول: أعني الرضيع، فلحمه أرطب وألين، ولذلك صار مخصوصا بزلق المعدة وإطلاق البطن وتوليد الدم البلغماني الكثير الفضول، إلا أن يكون من حيوان أيبس بالطبع مثل البقر وبعده الماعز، فإن رطوبة سنه وقربه من اللبن يعدل يبس مزاجه النوعي، فيقل فساده ويحسن غذاؤه ويصير فاضلا محمودا كما بينا مرارا حيث قلنا أن الرضيع من الماعز والبقر أحمد اللحمان وأفضلها غذاء لان الغذاء المتولد عنها في غاية الجودة وحسن الاستمراء، وبخاصة متى كان رضاعها من لبن محمود، فما يتولد عنه من الغذاء أحمد وأفضل.
ولمثينساوس الأثيني في هذا قول قال فيه: إن الجداء والعجول متى كان رضاعها من لبن أجود، كان لحمها أفضل لأنه يكون أنعم وألذ، من قبل أن قوة اللبن باقية فيه بعد، ولذلك صار كلما طال شرب الحيوان اللبن، كان لحمه أعذب وغذاؤه أفضل وأجود وانهضامه أسرع. غير أن الجداء فيما ذكرنا، أخص وأوجد (1) وإليه أسبق. ولذلك صار دمه ألطف وغذاؤه لجميع الناس أوفق، وبخاصة للناقهين (2) من الأمراض. فأما لحم العجول فيختلف عن ذلك قليلا، لان الدم المتولد عنها أغلظ مما نحتاج إليه، من قبل أن البقر في طبيعته أغلظ لحما وأبعد انهضاما. ولهذه الجهة صار لحم العجول، وإن كان في ذاته محمودا، غير موافق للناقهين من الأمراض لان أعضاءهم تضعف عن هضم شئ فيه غلظ. وإن كان الحيوان الرضيع من حيوان هو أرطب بالطبع، كان مذموما جدا لان الرطوبة قد اجتمعت له من جهتين: من سنه ومن طبيعته. ولذلك اكتسب لزوجة وغلظا وصار عسير الانهضام فاسد الغذاء، لأنه يولد فيمن كان مزاجه مرطوبا رطوبة بلغمانية لزجة، وفيمن كان مزاجه يابسا، بخارات قوية قريبة من الدخانية.
ولذلك صار صغار ذوات اللحم البارد وبعدها الرضيع من الضأن مذمومة الغذاء جدا، وإن كانت الأولى أخص بذلك كثيرا، من قبل قلة حرارتها بالطبع، وغلبة اللزوجة على رطوبتها. ولهذا وجب أن تتوقى وتحذر دائما. ولذلك قال مثنيساوس الأثيني: أن بارد اللحم لا خير في غذائه إذا كان (3) رضيعا.
وللفاضل أبقراط في هذا النوع من اللحم قول (4) قال فيه: إنه أعسر انهضاما وأغلظ من لحم الفتي منه. من