إسكنجبين العنصلان وسائر الجوارشنات المقطعة لما يجتمع في عروق الماساريقا وجداول (١) الكبد والطحال ومجاري الكلى من الأخلاط اللزجة الغليظة وتزيل ما يتولد في الأبدان من فضول هذه الأغذية وأمثالها. غير أنه قد يجب على من اضطر إلى استعمال هذه الأدوية أن يحسن تقديرها، ولا بد من استعمالها، لكن يجرى الامر فيها على المقدار القصد إذ كان لا يؤمن، مع الادمان عليها، إحدى ثلاث خلال:
إما أن تحل رطوبة الدم ممن كان (٢) الغالب على مزاجه البلغم وترقه وتصيره مائيا ثم تنشف رطوبته بعد ذلك رويدا رويدا حتى يفنى أكثرها ويغلظ الدم وتصيره سوداويا.
وإما أن تحمي بدن من كان مزاجه صفراويا حميا شديدا حتى تحل رطوبة أعضائه وتكسبها ذبولا.
وإما أن توافي في الكلى أثفالا غليظة فتجففها وتحجرها عن قرب.
وأما الأغذية الغليظة في جوهرها، فالغذاء المتولد عنها فيكون على ثلاثة ضروب: وذلك أن منها ما يولد دما سوداويا غليظا مثل لحم الظباء والأيايل وكبير البقر، ومنها ما يولد غذاءا قحلا جافا مثل الغذاء المتولد عن الجاورس وبعده العدس، ومنها ما يولد دما لزجا لعابيا مثل الدم المتولد عن الفطر والفطير من الخبز.
فما كان منها يولد دما سوداويا كان مذموما في بقاء الصحة على الأصحاء وردها إلى المرضى، من قبل أن عسر الانهضام متعب للطبيعة بعيد التشبه بالأعضاء. والغذاء المتولد عنه فردي الانهضام فاسد (٣) لأنه يولد دما محترقا مذموما، إلا أنه إذا استحال وتشبه بالأعضاء غذى غذاء كثيرا قويا بعيد الانحلال من الأعضاء، ولذلك <كان> (4) مذموما لمن كان كثير الدعة والسكون قليل الحركة والتعب، من قبل أن الحرارة من كانت هذه حاله يسيرة خامدة تضعف عن هضم ما غلظ من الغذاء وبعدت استحالته.
ولذلك، وجب أن يتوقاه من كانت هذه سبيله دائما، أعني من كان كثير الدعة والسكون. إلا أنه لما كانت اختيارات الناس تختلف وكان أكثرهم يرغب في خصب بدنه وشدة أعصابه مع صحة لا يوثق بها، على صحة يوثق بها، مع قضف (5) بدنه وهزاله وضعف أعضائه، وجب على من رغب في مثل هذه الحال واضطره الامر إلى استعمال الأطعمة الغليظة الكثيرة الغذاء العسيرة الانحلال من الأعضاء، أن يقصر في استعمالها ولا يتخذها إلا في الوقت الذي يحس فيه من بدنه بنقصان إما من لحمه وإما من قوته وإما منهما جميعا. ولا تستعمل، مع ذلك أيضا عن إصلاح أمر نفسه بما يستحكم القول فيه في الباب (6)