يستدل على ذلك من الشاهد، وذلك إن إنسانا لو أخذ خرقة واحدة وشقها بنصفين وبل النصف الواحد بماء لطيف رقيق، وبل الاخر بماء غليظ الاجزاء مثل ماء الدجلة وما شاكله، ثم نشرهما جميعا في الشمس، لوجد الخرقة المبلولة بالماء اللطيف تجف بسرعة للطافة مائها وخفته. ووجد الخرقة المبلولة بالماء الغليظ تقاوم حرارة الشمس زمانا ولا تجف إلا بعد مدة بعيدة.
ففي هذا بيان على أن الرطوبة المغذية للأشجار إذا كانت رقيقة خفيفة مائية، انقادت لفعل القوة الجاذبة وانحدرت بسرعة وهبطت إلى عروق الأشجار وخلت الأغصان منها. وإذا كانت غليظة أرضية مندمجة الاجزاء، مانعت القوة الجاذبة ولم ترسل معها إلا ألطف ما فيها وأسرعه انقيادا.
وأما السبب الذي له صار بعض ورق الأشجار مستديرا، وبعضه مستطيلا هو اختلاف عنصر الورق وتغيير الرطوبات المغذية له، وذلك أن العنصر ربما كان خفيفا لطيفا، وربما كان غليظا ثقيلا.
والرطوبة ربما كانت رقيقة سيالة، وربما كانت خفيفة هوائية.
فإذا كان تولد الورق عن عنصر خفيف ورطوبة سيالة مياعة، تحرك العنصر، للطافته، صعدا وسالت الرطوبة، لرقتها، سفلا وامتد الورق وطال.
وإذا كان تولده عن عنصر غليظ ورطوبة لطيفة، ثقلت حركة العنصر ولم يرق صعدا، وانتشرت الرطوبة، للطافتها وخفتها، وانبسط الورق واستدار.
وأما السبب الذي له تشقق بعض ورق الأشجار دون بعض، فإن سبب ذلك اليبس والرطوبة، لان ما غلب عليه من الورق اليبس تشقق بحرارة الشمس وتفرقت أجزاؤه. وما كان من الورق الرطوبة عليه أغلب، قاومت الرطوبة حرارة الشمس وجمعت أجزاء الورق، ووصلت بعضها ببعض وثبت الورق بحاله ولم يتشقق.