به نباتها ودوامها ونموها، ولولا ذلك لجفت وقحلت وماتت بعد سقوط ثمرها عنها.
فإن قال قائل: لم صار من الأشجار ما يتساقط ورقه، ومنه ما لا يتساقط له ورق. ومن الورق ما يكون مستديرا، ومنه ما يكون مستطيلا. ومن الورق ما يتشقق، ومنه ما لا يتشقق؟.
قلنا له: أما السبب الذي له يتناثر ورق الشجر، فهو عدمانها الغذاء لان البرد إذا اشتد في زمان الشتاء وغلب على ظاهر الأشجار، بطنت الحرارة وانسجنت في عروقها هربا من ضدها. فإذا اشتدت الحرارة المنسجنة في العروق، جذبت العروق إليها رطوبات الأغصان والأطراف إلى أسفل لتقوى بها على تسكين حدة تلك الحرارة المنسجنة فيها، لكيلا تحرقها. فإذا عدمت الأغصان والأطراف أكثر الرطوبات، تناثر الورق لعدمانه الغذاء.
فإن قال: هذا هو السبب العامي في تناثر ورق الشجر في الجملة، وليس هو السبب الخاصي الذي له صار ورق بعض الأشجار يتناثر دون بعض. قلنا له: أما السبب الخاصي لذلك فيكون لجهتين:
إحداهما: أن من الأشجار ما تكون قوة عروقه وأصوله قوية جدا على جذب الرطوبات من الأرض دائما بالطبع. وفى أصله وعروقه، مع ذلك أيضا، من التخلخل ما يحوي رطوبات كثيرة مثل النخل وما شاكله، فتستغني بما يصير إليها من تلك الرطوبات في تبريد الحرارة المنسجنة فيها، عن جذب رطوبة الغذاء من الأغصان والأطراف، فيجد الورق من الغذاء ما يحفظه ويقويه ويمنعه من الانتثار. ومن الأشجار ما قوة عروقه وأصله ضعيفة جدا عن جذب الرطوبات من الأرض، ولا يكون لأصولها وعروقها مع ذلك أيضا، من التخلخل ما يحوي رطوبة كثيرة، فتفتقر ضرورة إلى جذب رطوبات الغذاء من الأغصان والأطراف دائما، ويعدم الورق الغذاء ويجف ويتناثر.
والجهة الثانية (1): ما كنا قدمنا ذكره آنفا، أن من الأشجار ما يكون نباته وارتفاعه عن رطوبة لطيفة سخيفة الاجزاء سريعة الانحلال مثل التفاح والرمان وما شاكلهما. ومنها ما يكون نباته وارتفاعه عن رطوبة أرضية غليظة مندمجة الاجزاء مكتنزة عسيرة الانحلال، فما كان نباته وارتفاعه عن رطوبة لطيفة سخيفة سريعة الانحلال، فإن القوة الجاذبة التي في عروق الأشجار إذا جذبتها إليها من الأغصان، انقادت لفعلها بسخافتها وهبطت سفالا رويدا رويدا حتى تخلو الأغصان منها، وتعدم الأوراق الغذاء وتتناثر. ولذلك صار ما كانت هذه سبيله من الأشجار قليل البقاء على الأرض جدا. وما كان من الأشجار نباته وارتفاعه عن رطوبة أرضية غليظة مندمجة الاجزاء مكتنزة، فإن القوة الجاذبة التي في عروق الشجر إذا جذبتها مانعتها، لغلظها، ولم تنقاد لفعلها ولم يهبط منها إلى عروق الأشجار إلا ما كان منها خفيفا سريع الانقياد، وبقى أكثرها في الأغصان. وكان من ذلك غذاء الورق ولم يتناثر. ولهذا الجهة، صار ما كانت هذه سبيله من الأشجار كثير البقاء على الأرض جدا، مثل الزيتون والأبنوس وما شاكلهما. وقد