ويعتدل صموده ويكتسب في لونه صفرة معتدلة. ومقدار الزمان الذي يمكن أن يتم فيه مثل هذا من الستة أشهر إلى تمام السنة.
ولرجل من أهل أثينا (1) يقال له أثينساوس في مثل هذا قول صدقه فيه جميع الأوائل ووافقه عليه جالينوس: أن ما كان من الحبوب حديثا دون ستة أشهر فغذاؤه غليظ عسير الانهضام، إلا أنه إذا انهضم ولد غذاء كثيرا بطئ الانحلال من الأعضاء. وما كان كذلك كان غذاؤه لقوة الأعضاء وصلابتها أفضل منه لبقاء الصحة ودوامها. وما عتق من الحبوب بعد ألا تعفن، فهو أقل غذاء وأسرع انهضاما وأسهل انحلالا من الأعضاء، وما كان كذلك كان لبقاء الصحة وثباتها أفضل منه لقوة الأعضاء وشدتها. وأما ما بقى من الحبوب زمانا طويلا حتى تنحل بعض رطوبته الجوهرية، فإن جوهره يكون أيبس من المقدار الذي يحتاج إليه، ويكون لذلك رديئا مذموما. فإن جاوز هذا الحد حتى يقحل ويجف ويخالف طعمه الطبيعي ورائحته الغريزية، دل على فناء أكثر رطوبته الجوهرية، وصار أردأ من الحديث. ولو كان الحديث في غاية الانتفاخ واللزوجة والغلظ، إلا أنه، وإن صار إلى هذه الحال أيضا، فليس هو بمذموم لكل الناس، لكنه قد يكون محمودا للأبدان المرطوبة المحتاجة إلى التجفيف. فأما إن طال به الزمان وتناهى في القدم حتى تفنى رطوبته الجوهرية بأسرها وتتغير رائحته وطعمه وينتثر منه، عند كسره، شئ رقيق ترابي شبيه بالغبار، فإنه عند ذلك يكون رديئا لكل الناس كافة وللحيوان أجمع.
ولذلك قال جالينوس: أن ما كان من الحبوب ردئ الطعم كريه الرائحة، فهو في غاية الرداءة وذلك لجهتين: إحداهما: أن الطبيعة تعافه وتتخلى عن تدبيره لبشاعة طعمه وكراهته، فيعسر هضمه ويفسد استمراؤه. والثانية: أن الدم المتولد عنه دما قحلا جافا رديئا لأنه سوداوي سمي ذلك لفناء رطوبته الجوهرية المغذية وخروجه عن حد الاعتدال إلى الترابية السمنة المكتسبة من العفونة.
ولذلك قال جالينوس: أن ما أمكن أن يخزن من الحبوب زمانا طويلا ويبقى بحالته ولا يتغير، فهو أحمد للأبدان وأفضل. وما كان الفساد إليه أسرع فهو أردأ للأبدان وأفسد.
وأما الضرب الثالث المتوسط بين الحاشيتين أعني بين ما كان من الحب صلبا مكتنزا، وبين ما كان منه رخوا سخيفا، فإنه في فعله وانفعاله على غاية الاعتدال والتوسط بين اللطافة الغلظ وسرعة الانهضام وإبطائه وثباته في الأعضاء وسهولة انحلاله منها. ولهذه الجهة صار محمودا فاضلا في بقاء الصحة وقوة الأعضاء معا. من قبل أن ليس فيه من سرعة الانقياد والانفعال ما ينحل وينفش سريعا قبل تمام فعل الطبيعة فيه، ولا له أيضا من بعد الانهضام وعسره ما يستكد الطبيعة وينهكها. ولذلك صار أحمد أنواع الحبوب وأفضلها كثيرا.
ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: أن ما كان من الحبوب في طبيعته عظيما أو صغيرا، إلا أنه