نقصان (1) سمك البحيرات في حلاوة الطعم وسرعة الانحدار أو عسر الانهضام وقلة اللذاذة ورداءة الغذاء، كذلك يكون نقصان سمك البحر عن سمك الأنهار في مثل ذلك أيضا. ومن قبل أن ما كان من السمك أسمن داخلا، وأسرع انحدارا، فهو أقل لذاذة وأعسر انهضاما وأفسد غذاء. وما كان من السمك أغذي شحما وأقل حلاوة وأبعد انحدارا فهو ألذ وأسرع انهضاما وأحمد غذاء.
ولروفس في مثل ذلك قول قال فيه: ان الجنس الواحد من السمك إذا كان منه بحري ومنه نهري، فإن البحري منه أقل شحما وألذ طعما وأسرع انهضاما وأحسن جوهرا. والنهري أحلى طعما وأكثر شحما وأبعد انهضاما وأسرع انحدارا وأقل لذاذة وأردأ جوهرا.
وقد يقع في غذاء السمك اختلاف كثير من وجوه أخر: أحدها: من جنسه وتركيبه، والثاني: من مرعاه، والثالث: من طبيعة الرياح الهابة عليه واختلافها في كثرتها وقلتها وشدتها وضعفها (2)، والرابع:
من طبيعة ما تحمله الرياح معها، والخامس: من صنعة السمك وعمله والوجوه التي يتخذ بها. فأما اختلافه من قبل جنسه وتركيبه فيكون على ضروب من قبل أن منه جنسا له قشر وفلوس (3). ومنه ما ليس له قشر ولا فلوس. ومن الذي له فلوس ما فلوسه أغلظ وأصلب، ومنه ما فلوسه أرق وألين. فما كان من السمك له فلوس فهو في الجملة أفضل مما ليس له فلوس، وذلك لجهتين: إحداهما: أن الفلوس دالة على قلة رطوبته ومائيته. ولذلك صارت سهوكته أقل من سهوكة ما ليس عليه قشر كثير. والثانية: أن الفلوس دالة على قلة فضول السمك لان الطباع تحتاج أن تلطف فضلة الانهضام الثالث في الحيوان المشاء والطائر في تغذية الشعر والصوف والريش وما شاكل ذلك. وما كان من السمك فلوسه أغلظ وأصلب، كان أفضل مما كان أرق وألين، لان في غلظ الفلوس دلالة على قلة الرطوبة بالطبع، وفي رقتها دلالة على كثرة الرطوبة بالطبع. ولذلك صارت فلوس السمك البحري أغلظ وأمتن، وفلوس السمك النهري أرق وألين. ولمثل ذلك صارت فلوس الظهر من كل حيوان أغلظ وأمتن وفلوس ما يلي البطن أرق وألين، من قبل أن الصلب أيبس وأقل رطوبة وشحما، والبطن أشحم وأكثر رطوبة ولزوجة.
* * * وأما اختلاف السمك من قبل مرعاه الذي يرتعيه. فإن ما كان منه يرتعي حشيشا طريا ناضرا أو أصولا رطبة أو حيوانا محمودا فهو أفضل غذاء وأسرع انهضاما وأحسن جوهرا وألذ طعما. وما كان يرتعي حشيشا جافا أو حيوانا غير محمود (4) أو أصولا قد علت عليها الحمأة، كان أذم وأبعد انهضاما وأفسد جوهرا وأقل لذاذة. وما كان يغتذي الحمأة والطين، كان أفسد جوهرا وأبعد انهضاما وأقل لذاذة وأسرع انحدارا.