من الدم المتولد عن الدراج والفراريج، فإنه أرقه وألطف من الدم المتولد عن العجول. ولذلك صار لحم الرضيع أوفق للناقهين من الأمراض، ولحم العجول الرضع والحولي من الضأن لغلظه <أبعد> (1) عن احتمال الناقهين من الأمراض على هضمه، وذلك لغلظ لحم البقر بالطبع ورطوبة لحم الضأن ولزوجته.
وأما السمك اللجي على الحقيقة فمشاكل للسمك الصخري على المجاز في لطافته وقلة لزوجته وجودة الدم المتولد عنه. ولا فرق بينهما إلا في صلابة اللحم وسرعة الانهضام وإبطائه، من قبل أن السمك الصخري على المجاز أرخى لحما وأسرع انهضاما لصلابة المواضع التي يأوي فيها ومقاومته للحجارة دائما. والسمك اللجي على الحقيقة أصلب لحما وأبطأ انهضاما لرخاوة المواضع التي يأوي فيها وكثرة طينها ولثقها (2)، وإن كانا جميعا، بإضافتهما إلى السمك، أقل لذاذة وأكثر حلاوة وأغلظ، إلا أن الأسباب الموجبة لذلك فيهما تختلف من قبل أن الموجب لذلك في الصخري على المجاز هو (3) غلظ مائه الذي يأوي فيه وكدورته ووسخه لقربه من فم البحر ومصب الأنهار. والموجب في ذلك للسمك اللجي رخاوة أرضه وكثرة لثقها (4). ولذلك صار هذا النوع أكثر شحما وأزيد غذاء من قبل أن الغلظ والصلابة أغلب، فهو إلى الأرضية أميل. وما كان (5) إلى الأرضية أميل، كان انحلاله من الأعضاء أبعد. وإذا بعد انحلاله من الأعضاء، طال لبثه فيها واستغنت الأعضاء عن طلب غذاء مستأنف (6) لان ذلك يقوم لها مقام الغذاء. ولذلك شبهت الأوائل الدم المتولد عن هذا النوع من السمك، أعني السمك اللجي على الحقيقة، بالدم المتولد عن لحم الدراج والفراريج. ولعل ظانا يظن أن الأوائل إنما شبهت الدم المتولد عن السمك اللجي بدم الدراج والفراريج في جودة جوهره وحسن غذائه لمعرفة فساده، ذلك من قبل أن الدم المتولد عن لحم الدراج والفراريج هو الدم الغريزي المحمود في كل أحواله الموافق لكل مزاج دم الانسان الطبيعي في اعتدال حرارته ورطوبته. والدم المتولد عن السمك فالرطوبة عليه أغلب والسهوكة والزهومة به أخص، وإن قل ذلك وكثر في بعض أنواعه دون بعض للأسباب التي بيناها.
فإن قال قائل: فلم صار السمك اللجي في مرتبة لحم الدراج والفراريج؟ وما السبب الموجب لذلك؟ ومرتبة الدراج والفراريج هي مرتبة التوسط والاعتدال على الحقيقة، ولم يوجب ذلك في السمك الصخري على الحقيقة! قلنا له: قد تبين من قولنا أنا لم نصير السمك اللجي في مرتبة التوسط