حيوان آخر. وأما البيض الكائن في حيوان واحد في جنس واحد وجوهر واحد، فإن التغير لا يلحقه في جودة جوهره، ورداءته، بل إنما يلحقه ذلك في كثرة غذائه وقلته. وليس كل ما كان كثير الغذاء وجب أن يكون محمود الجوهر لأنا قد نجد القليل الغذاء محمودا ومذموما (1)، مثل القطا والعصافير، لان القطا قليلة الغذاء محمودة ومذمومة مثل الرضع من البقر والأيل، لان الرضع من البقر كثير الغذاء محمود الجوهر، والرضع من الأيل كثير الغذاء مذموم الجوهر. فقد اتفقا جميعا في كثرة الغذاء واختلفا في جودة الجوهر ورداءته. وكذلك قد نجد طعامين أحدهما أسهل انهضاما وأسرع نفوذا في العروق وجواهرهما متفقة (2)، إما في الحمد وإما في الذم مثل البيض النيمبرشت والبيض المنعقد فإنا نجدهما متفقين في الجوهر وأحدهما أسرع انهضاما لرطوبة جسمه وليانته، والآخر أبعد انهضاما لصلابة جسمه.
ولذلك صار نضج البيض يختلف في كثرته وقلته على ثلاثة (3) ضروب: لان منه ما يبلغ من نضجه ما جاوز الاعتدال واشتد انعقاده وصلب وهو المسمى المنعقد. ومنه ما لا يبلغ إلى نضجه إلا أن يسخن وتجول حرارية النار في جسمه، وهو المسمى المتحسى. ومنه ما صار في نضجه إلى الحال المتوسط والاعتدال وهو المعروف بالفارسية نيمبرشت. فأما المنعقد فهو أغلظها وأعسرها (4) انهضاما وأثقلها على المعدة وأبعدها انحلالا من الأعضاء، من قبل أن النار قد جاوزت في نضجها خارجا عن المقدار المعتدل وأخرجته إلى غاية الجمود والانعقاد، ولم يبق له حال ينتقل إليها باطنا إلا الصلابة والجفاف وبعد الانحلال. ولذلك صار أكثرها غذاء.
وأما النيمبرشت فهو أعدلها وأسرعها انهضاما وأفضلها، وذلك لتوسط النضج على الحقيقة لولا أن فيه بقايا من زهومة البيض الطبيعية، إذ كان في طبيعته مشاكلا لطبيعة الدم والمني على ما بينا وأوضحنا. ولذلك وجب أن يتوقى الاكثار منه والادمان عليه، ولا يستعمل إلا على نقاء المعدة من الفضول وخلائها من الغذاء، وإذا كان هذا لازما للنيمبرشت على كمال نضجه وجودة انهضامه، فهي في غيره ما لم يستكمل نضجه أوجب وأوجد. ولذلك صار المتحسى من البيض، على سرعة انحداره ونفوذه في العروق، يصير نيمبرشت ويؤكل بالملح والكمون. فإن كان مزاج صاحبه بلغمانيا، زاد فيه فلفلا وصعترا وزنجبيلا. وقد يعمل على وجه آخر أيضا فيكون انهضامه أسرع وجوهره أحمد وغذاؤه أكثر وهو أن يؤخذ البيض فيصير في إناء نظيف ويلقى فيه شئ من شراب ريحاني عذب وشئ من زيت عذب وشئ من ملح عذب مسحوق ويضرب جيدا ويصير في قدر برام ويجعل في طنجير (5) مملوء ماء ويوقد تحت الطنجير بنار لينة، جمر لا دخان (6) لها، حتى ينعقد الذي في القدر نصف انعقاده ويؤكل بما قدمنا ذكره من الأبازير.