الحامض وحماض الأترج. ولذلك صارت الحموضة موافقة لمن كان مزاجه محرورا.
وأما الأشياء المالحة فمن شأنها أن تذيب وتحلل وتقطع وتلطف وتسخن المزاج، ولذلك صارت منافعها ومضارها قريبة من منافع الأشياء الحريفة ومضارها، إلا أنها لا تفعل ذلك إلا عند الافراط منها فقط. ومن قبل ذلك صار فعلها في تنقية المعدة وغسل المعاء وتليين البطن، ألطف وأعدل من فعل الأشياء الحريفة، ذلك لقرب حرارتها ويبوستها من التوسط والاعتدال. ولذلك صار ما يستعمل من الأغذية بالمري والخل أكثر (1) تنقية وتلطيفا من الأغذية التي تستعمل بالخل والزيت، لان المري يعين على تلطيف الفضول، وأما الزيت، فمع ما أن ليس فيه قوة على تلطيف الفضول، ففيه قوة تبطل فعل الأشياء الملطفة وتوهن قوتها بلزوجته ودهنيته.
وأما اللطيفة في انفعالها، فهي السريعة الانقياد لفعل الطبيعة في انهضامها وسرعة جولانها في البدن، وانقلابها إلى الدم مثل الاسفاناخ والقطف والخبازى، إلا أن الدم المتولد عنها رقيق مائي دون الدم المحمود. ولذلك، صار غذاؤها يسيرا جدا قليل اللبث في الأعضاء سريع الانحلال فيها (2)، قليل التقوية لها. ولذلك قال جالينوس: إن كل غذاء لطيف جدا فما يصل إلى البدن من غذائه يسير جدا، سريع الانفشاش من الأعضاء، ولهذه الجهة صار الادمان عليه مما ينهك الأعضاء ويحد قوتها. وقد ظن قوم أن هذا الضرب من الغذاء ينسب إلى اللطافة في فعله أيضا، من قبل أن الدم المتولد عنه إذا وافى دما غليظا، أرقه وصيره ألطف مما كان عليه، وهذا ظن فاسد لأنه لو وجب للأغذية المائية الرقيقة الدم أن تنسب إلى اللطافة في فعلها لان الدم المتولد عنها يرق الدم الغليظ ويلطفه، وجب أيضا للأغذية الغليظة المولدة للدم الغليظ أن تنسب إلى اللطافة في فعلها، لان الدم المتولد عنها إذا وافى دما دقيقا مائيا، غلظه وعدله ولو أمكن ذلك لوجب أن تكون الأغذية اللطيفة في انفعالها، والغليظة في انفعالها تفعل فعلا واحدا. وهذا من أبين الخطأ، لان هذا إنما يقع من كل واحد منها على سبيل الممازجة والاختلاط، لا على سبيل الفعل والتأثير.
فإذ ذلك كذلك، فنقول: إن الأغذية الغليظة أيضا تقتضي في اسمها ثلاثة معان (3):
إما غليظة في فعلها وإن كان الدم المتولد عنها ليس بالغليظ.
وإما غليظة في انفعالها وإن كان الدم المتولد عنها ليس بالمذموم.
وإما غليظة في جوهريتها وغذائها المتولد عنها.
فأما الغليظة في فعلها وإن كان الدم المتولد عنها ليس بالغليظ، فتنقسم ثلاثة أقسام: إما باردة