الباب الرابع القول في الثمار الثمار تنقسم في جنسها على قسمين: لان منها ما هو أرضى مكتنز صلب يجف ويبقى بعد مفارقته لنباته زمانا طويلا مثل الحنطة والشعير وما شاكلهما من أنواع النبات. وهذه الأنواع هي الملقبة بالحبوب. ومنها ما هو لين رخو لا يبقى بعد مفارقته لنباته إلا يسيرا حتى يفسد مثل البطيخ والمشمش والتوت وما شاكل ذلك. وهذه الأنواع هي المخصوصة باسم الفاكهة.
فما كان من الثمار لينا رطبا قليل اللبث بعد مفارقته لنباته كان ما ينال البدن من غذائه يسيرا جدا لأنه لا يلبث في الأعضاء إلا قليلا حتى ينحل ويخرج إما بالبول وإما بالعرق وإما بغيرهما. ولذلك صار انحداره عن المعدة والبطن أسرع من النوع الأول المعروف بالحب، ولا سيما متى كان فيه قوة جلاء أو طعما بورقيا. وما كان كذلك كان أردأ مما لا طعم له لان ما لا طعم له فرطوبته أرق، وما كانت رطوبته أرق كان أسرع نفوذا في العروق وجولانا في البدن.
وما كان معه جلاء أو طعم بورقي فرطوبته أغلظ ونفوذه في العروق أبعد لأنه يلذع الأمعاء ويهيجها إلى إحداره قبل نفوذه في العروق، وإن كانت الفواكه في جملتها رديئة الغذاء لأنها سريعة الاستحالة إلى الفساد مهيجة للنفخ والقراقر، وبخاصة متى بعد انهضامها. ولذلك لا ينتفع بها إلا عند التعب والسير في طريق بعيدة وفى حر شديد لأنها عند ذلك تبل الأبدان وترطبها وتبردها أيضا تبريدا معتدلا متى بردت قبل استعمالها بالماء الشديد البرد لان الترطيب منها ينفع في كل حال لغلبة الرطوبة على مزاجها.
وأما التبريد فليس هو فيها كذلك لان ليس في قوة بردها الخلاص من الحر القوي إلا أن تكسبها بردا من الخارج يقاوم حرارة المعدة والكبد.
وأما ما كان من الثمر أرضيا مكتنزا يجف على نباته ويبقى زمانا طويلا بعد مفارقته لنباته فإنه يكون على ضربين، لان منه ما يكون بعد طريا لم يتم جفافه وصلابته مثل الباقلاء الطري والحمص الكذلك. ومنه ما قد انتهى في جفافه وصلابته وهو بعد في نباته. فما كان منه طريا كان أسرع انهضاما