مخدرة، تجمد الحرارة الغريزية، وتعوق عن الهضم مثل الثلج والخشخاش والقثاء والخيار وما شاكل ذلك. وإما عفصة قابضة تنشف رطوبة الغذاء وتغلظه، وتمنع انقياده إلى الفعل مثل البلح والجمار (1) والطلع وما شاكل ذلك. وإما دسمة تطفو على الطعام وتعوم عليه ثم تختلط به وتغلظه وتمنع من هضمه لفرط لزوجتها مثل الشحوم وما شاكلها.
وأما الغليظة في انفعالها فتكون على ضربين: إما قحلة جافة بطيئة الانهضام مثل الجاورس وغيره، وإما لزجة بعيدة الانقياد لفعل الطبيعة مثل الخبز الفطير والرضيع من الضأن والسمك الطري. فإن هذا الضرب من الأغذية عسير (2) الانهضام جدا وذلك للزوجته وغلظه، إلا أنه إذا انهضم واستحكم نضجه في المعدة والكبد جميعا، كان الغذاء المتولد عنه محمودا لتقوية الأعضاء فقط، لأنه بطئ الانحلال منها. ولذلك وجب ألا يجتنب (3) دائما لأنه غير ضار بمن كانت أحشاؤه قوية، ولمن كان كثير التعب دائم الحركة. فأما سائر الناس ممن كان قليل التعب، أو من كانت (4) أحشاؤه، مثل معدته وكبده، ضعيفة بالطبع أو بالعرض، فينبغي أن يتوقى هذه الأغذية لأنه لا يكاد أن يسلم منها، من قبل أنها بلزوجتها تولد سددا في عروق الماساريقا ومجاري الكلى إذ كان هذان العضوان (5) ضيقي المجاري بالطبع. ولهذا صار كثيرا ما يحدث فيها من هذه الأغذية ضروب من العلل، وذلك أنه كثيرا ما تجتمع منها في الكلى فضول غليظة لزجة يمكن أن توافي مزاج الكلى قوي الحرارة فتتحجر كما يتخزف الطير المبلول بحرارة النار. وكثيرا ما يتولد عن الاكثار منها في عروق الماساريقا وفى جداول الكبد سدد غليظة كثيرة.
والفرق بين النوعين: أن ما كان منها في عروق الماساريقا منع من نفوذ الغذاء إلى الكبد حتى يعرض من ذلك الاسهال الكشكي الدال على أن مصاية الغذاء قد انحدرت مع الثفل بصورتها ولم تصل إلى الكبد. وما كان منها في جداول الكبد ولد ثفلا في الكبد وربما اجتمع من هذه الأغذية في هذه المواضع أخلاط نية غير منطبخة لا يؤمن معها أن تعفن ويحدث عنها ورما قويا من قبل أن كل خلط ني يتولد في البدن، فلا بد له من أحد أمرين: إما أن تقوى عليه الحرارة الغريزية وتطبخه وتحيله دما فيتولد عنه غذاء لزج غير محمود إلا في تقوية الأعضاء فقط. وإما أن تضعف الحرارة عن هضمه، فيطول لبثه هناك وتحمي حرارة البدن وتغلي وتعفن وتستحيل إلى الفساد.
وقد يستدل على ذلك من الشاهد لأنا نجد جميع الرطوبات الغليظة إذا طال لبثها في المواضع الحارة، غليت وانقلبت إلى عفن، ومن قبل ذلك، تلطفت الأوائل بالأدوية المنسوبة إلى حفظ الصحة، أعني الأدوية المطلقة للفضول المفتحة لمجاري الكبد المنقية لجداولها مثل الإسكنجبين وبخاصة