والسادس: الحموضة، والسابع: العفوصة، والثامن: القبوضة.
وقد أخرج قوم القبوضة من هذه الأصول وصيروا التفاهة عوضا منها. وكانت حجتهم في ذلك أن قالوا إنا وجدنا القبوضة من جنس العفوصة لا فرق بينهما إلا في القوة والضعف فقط. فإن وجب للقبوضة أن تعد من الطعوم، وهي من نوع العفوصة، وجب أيضا من ذلك للعذوبة أن تعد من أصول الطعوم وإن كانت من نوع الحلاوة فقد دلت البراهين على أن الحلاوة دالة على توسط واعتدال في الحرارة والرطوبة. ولذلك شبهها الأوائل بطبيعة الماء الفاتر المشاكل لمزاج بدن الانسان. ومن قبل ذلك صارت على سبيل الغذاء تغذو غذاء كثيرا، وعلى سبيل الدواء تذيب الفضول الغليظة وتنفيها عن الحاسة وتعدل فيما بين الأشياء المختلفة لأنها تلين الاجزاء الصلبة برطوبتها، وتصلب الاجزاء الرخوة بلطف حرارتها، ولذلك لم تتأذى بها الحاسة فتنافرها الطباع ولهذه الجهة اختصت بتغذية بدن الانسان دون غيرها من الطعوم وبخاصة متى كان جرمها ملززا (١).
ومن أجل ذلك قال جالينوس: إن كل ما يغذو فلا بد من أن يكون فيه من الحلاوة مقدار ما، قل ذلك أم كثر، على حسب قربه من الغذاء أو بعده منه، وكل ما لا يغذو فبعيد من الحلاوة ثم يختص بعد ذلك بخواص شتى، من قبل أن المشاكل من جميع (٢) الأشياء أبدا واحد (٣) والمنافر كثير. مثال ذلك: أن الحلاوة لا يشاكلها إلا ما كان قريبا من طعمها، وتنافرها طعوم شتى مثل الملوحة والمرارة والحرافة والحموضة وغير ذلك. ولذلك صار غذاء الطعوم المخالفة للحلاوة تقل وتكثر على حسب قرب كل واحد منها من الحلاوة وبعده منها لان الحلاوة الخالصة لما كانت أكثر الطعوم غذاء مما بعد منها. فإذا <كان> ذلك كذلك، فقد بان أن الصادق المرارة لا يغذو أصلا، والمتوسط بين المرارة والحلاوة يغذو غذاء متوسطا بين القلة والكثرة، ويقل ويكثر على حسب قربه من الحلاوة وبعده منها. وكذلك الحكم في كل ما خالف الحلاوة من الطعوم إذ لا يمكن أن يكون في شئ من الطعوم المخالفة للحلاوة غذاء البتة إلا أن يتركب مع شئ من الحلاوة.
ولجالينوس فصل في هذا قال فيه: إن كل ما كان مرا أو مالحا أو حريفا أو قابضا، فما يصل إلى البدن من غذائه يسير جدا، وما لا طعم له فما يصل إلى البدن من غذائه أكثر لأنه أقرب إلى العذوبة، وأخص الطعوم بالغذاء الحلاوة ولا سيما إذا كان الجرم الحامل لهذا ملززا لأنه أكثر ثباتا في الأعضاء وأبعد انحلالا منها. ولعل ظانا يظن بجالينوس أنه لما قال: أنه ما كان من الأغذية حريفا أو مالحا أو مرا فما يصل إلى البدن من غذائه يسير جدا، أنه قد صير لها مقدارا من الغذاء. وهذا ظن خطأ من قبل أنه لم يتكلم عليها ههنا وهي بسائط، وإنما تكلم عليها وهي مركبة أراد أن ما كان ظاهره كذلك وعذوبته