ولا وسط، لم يكن بد مما يخالطه من رماده مقدار ليس باليسير ولا سيما متى كان الجمر رخوا سريع الاحتراق لأنه إذا كان كذلك، كانت رماديته أكثر وما يخلو الخبز منه على حسب ذلك. فظاهر الخبز إذا، لما يكتسبه من حدة الرماد وإفراط يبسه، يصير له قوة لذاعة مضرة بفم المعدة لما يحدث فيه من القبض والجفاف والتشنج، ولما في لبابه من الغلظ واللزوجة وكثرة الرياح والنفخ، يحدث عنه في البدن دائما رطوبات نية غليظة من جنس الخام ورياح نافخة وثقل في سائر الأعضاء وغشاوة على البصر. ولهذا صار (1) أردأ الخبز وأضره للأبدان.
وأما اختلاف الخبز من قبل استعماله، فيكون على أربعة ضروب: وذلك أن من الخبز ما يستعمل حارا عند خروجه من المخبز. ومنه ما يستعمل باردا إلا أنه ليومه. ومنه ما يستعمل بعد يبسه وجفافه.
فما استعمل منه حارا كما يخرج من المخبز، كان أكثر غذاء وأسرع انهضاما ونفوذا في العروق.
وذلك للينه وسرعة انحلاله، إلا أنه بعيد الانحدار عن المعدة والمعاء بالعرض لا بالطبع. أما بعد انحداره عن المعدة، فلانه يطفو ويعوم ولا يهبط ويستقر في قعر المعدة بسرعة لخفته. وأما بعد انحداره عن المعاء، فلانه لسرعة نفوذه لا يبقى منه في المعاء مقدار ما يثقلها ويهيجها إلى إخراجه بسرعة. وإنما نسبنا بعد انحداره إلى العرض، لان من شأنه في طبيعته أن يلين الثفل ويرطبه ويعين على انحداره.
فأما ما يستعمل من الخبز ليومه قبل أن يتمكن البرد منه وينفذ إلى باطنه، فهو أقل غذاء وأسرع انهضاما، وأبعد انحدارا وخروجا من قبل أن ظاهر الخبز إذا برد وتكاثفت مسامه وبطأت الحرارة في عمقه، فلا بد من أن تنحل من باطنه بخارات تتحرك نحو سطح الخبز صغارا، فإذا انتهت إلى سطح الخبز ووافقت مسامه متكاثفة منسدة، حال ذلك بينهما وبين الخروج وانعكست راجعة إلى داخل. فإذا رجعت وافت بخارا آخر قد تخلل وتحرك صعدا نحو سطح الخبز وتراجعت معه، حتى إذا صارت نحو سطح الخبز أيضا، حال بينهما وبين الخروج تكاثف المسام وانسدادها، وتراجعت إلى داخل منعكسة ووافت بخارا آخر متصاعدا، فتصاعدت معه أيضا، وكان حكمها حكم الأول، فلا يزال ذلك البخار يتردد مرة إلى داخل إذا منعها تكاثف مسام السطح من الخروج، ومرة إلى خارج إذا وافت بخارا متصاعدا يردها حتى يحدث عن تلك الحركات الدائمة لزوجة وغلظ ورياح نافخة وفضول كثيرة، ذلك لاصطكاك البخارات بعضها ببعض وصعودها وهبوطها. فإذا حدث مثل ذلك في الخبز عسر انهضامه جدا من جهتين: إحداهما: أنه لغلظه ولزوجته لا يبتل بسرعة لان الماء لا ينفذه ولا يداخله. والثانية:
إنه لرياحه النافخة يمنع جرم المعدة من ملامسته والاحتواء عليه. ولذلك ثقل غذاؤه وانفسد.
وأما ما مضى له يوم أو يومان، وشمل البرد ظاهره وباطنه، فإن الغذاء المتولد عنه محمود