يأكلونه فيستمرئونه. وسبب استمرائهم له يكون من ثلاثة أوجه: أحدها: ما يعرض لهم من ثقل النوم وكثرته لكثرة التعب وتفتح أعضائهم. وإذا كان النوم أثقل وأطول، كان الانهضام أقوى وأبلغ. والثاني:
ما جرت به عادتهم من استعمال هذا النوع من الغذاء، مع قلة ما يتناولون منه. والثالث: قوة تخليل أبدانهم وكثرة ما يبرز منها بالبخار والعرق، لدوام تعبهم نهارهم أجمع. ولذلك يحتملون من الغذاء ما هو أغلظ وأبعد انهضاما، لان غذاءهم لو كان لطيفا مع دوام تعبهم، لتخلل من أعضائهم بسرعة، ووجب من ذلك أحد الامرين: إما أن تذب أعضاؤهم (١) وتنحل، وإما أن تفتقر إلى أن تستلب الدم من العروق، وتضطر العروق إلى أن تسلب رطوبة الطعام من معاء الماساريقا، إلى أن تحجم المعدة وتسلب الغذاء منها قبل إحكام نضجه. وربما كان كذلك قبل <أن> يبتدئ فيه النضج أصلا، وبخاصة متى كان تعبهم بعد أخذهم للطعام، <فإنهم> يقعون بأخذه في أمراض صعبة يهلكون منها قبل الشيخوخة.
ولهذا السبب احتاجت أعضاؤهم إلى أغذية غليظة لزجة عسيرة الانهضام، بعيدة الانحلال من أعضائهم، لطول لبثها فيها، وتقوى لمقاومة التعب القوي. والله تعالى أعلم.