بطوننا بثقل شديد كأن فيها حجارة، فأقمنا إلى الغد ولا نستمره معدنا، ومكثنا نهارنا أجمع لا نشتهي طعاما، ولا نقدر نذوق شيئا، وانتفخت بطوننا، واعترانا صداع وظلمة في العين، ولم تسهل بطوننا ولا انحدر من الحنطة شئ.
فلما رأيت ذلك، علمت أن هذه علامة كل طعام غليظ عسير الانهضام بعيد الانحلال. فسألت العلوج هل عرض لهم مثل الذي عرض لنا، فذكروا مثل ذلك وزعموا أنهم أكلوا هذه الحنطة مرارا، ووجدوا ذلك في كل مرة يأكلونها. فتيقنت أنه طعام غليظ بطئ الانهضام عسير الانحلال. فلما وقفت على ذلك فكرت في دقيق الحنطة، فعلمت أنه متى استعمل من غير أن تحكم صنعته، كان ثقيلا بطئ الانحدار عسير الانهضام.
ولذلك وجب أن لا يستعمل إلا بعد إحكام عجنه بخمير معتدل، وملح بقدر، ويخمر تخميرا جيدا محكما، ثم يعجن ثانية ويعرك عركا جيدا، ويقرص ويصبر عليه حتى يعود إلى الاختمار ثانية، ويخبز في تنور معتدل في الحرارة لتغوص قوة النار إلى باطنه وتلطف غلظه وتخلخل جسمه وتكمل إنضاجه، لأنه إذا كان كذلك جاد هضمه في المعدة وولد غذاء فاضلا محمودا سريع الانحدار والانهضام، وإن كان ما لم يبالغ في عجنه وتخميره أكثر غذاء مما قدمنا ذكره، لبعد انحلاله من الأعضاء، إلا أنه أغلظ وأبعد انهضاما وأعسر نفوذا في العروق.
ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: إن ما لم يعجن من الخبز بخمير صالح وملح، ويبالغ في عجنه وتخميره، كان أكثر غذاء مما قد عجن عجنا بليغا على غاية الاحكام من الصنعة، إلا أنه أعسر انهضاما وأبطأ انحدارا. وما مضغ من الحنطة وأكل، كان أكثر غذاء، إلا أنه في غاية الغلظ وبعد الانهضام والانحدار وكثرة النفخ والقراقر، وتوليد الدود وحب القرع في البطن. وأما الدهن المستخرج من الحنطة، فمخصوص بالنفع من القوباء إذا طلي عليها بعد أن تحك حتى تدمى بشئ خشن قبل أن يطلى عليها الدهن.