فاضل (1) بالإضافة إلى الخبز الحار أقل وألطف وأسرع انحلالا وأبعد نفوذا في العروق. فأما سرعة انحداره عن المعاء، فإن ذلك إنما يقع له بالعرض من قبل أن نفوذه في العروق لما كان أبعد، كان ما يجتمع منه في المعاء مقدارا أكثر فيشقى ويضطرها إلى تخليته بسرعة، وقد يستعمل لباب هذا النوع من الخبز على ضربين: وذلك أن من الناس من يستخرجه من قشره ويتركه حتى ينشف الهواء أكثر رطوبته الفضلية، ويفركه وينزله من المنخل الشغر ويغسله بالماء مرات حتى يصفو اللباب ويبلغ غاية انتفاخه وتزول عند لزوجته وغلظه ورياحه النافخة، ويشربه بما أحب من الأشربة أو بسكر طبرزد (2)، ومنهم من يحله في الماء ويشربه من غير إنقاع ولا غسل. والضرب الأول منهما أقل غذاء وأفضل لان الدم المتولد عنه دم محمود مبرد (3) للأبدان مرطب لها بعيد من توليد السدد، من قبل أن رياحه ولزوجته قد زالت عنه في إنقاعه وغسله، واكتسب رطوبة وبرودة، وانتقل من ثقل الأرضية وغلظها إلى لطافة الهوائية وخفتها.
والدليل على ذلك: أن يطفو ويعوم في الماء ولا يرسب،، وبخاسة متى كان من حنطة رخوة لم تستقصى نخالتها.
ولذلك أجمعت الأوائل على أن كل غذاء يتخذ من الحنطة يفيد البدن سخونة خلا اللباب الجاف المغسول بالماء مرات، فإنه يفيد البدن برودة ورطوبة. ولذلك صير جالينوس قوته قريبة من قوة النشاستج (4).
قال إسحاق: إن جالينوس إنما صير قوة هذا اللباب قريبة (5) من قوة النشاستج في التبريد فقط، لا في الغلظ واللطافة لان بينهما في ذلك فرقا بينا، من قبل أن اللباب في طبيعته لطيف رطب (6) سريع الانهضام. والنشاستج في طبيعته جاف لازوق (7) بطئ الانهضام. وأما اللباب المستعمل من غير إنقاع ولا غسل، فإن فيه نفخا وقراقر وتوليد..
(8) إلا أن ذلك فيه أقل منه في الخبز الذي يشتمل عليه البرد على ظاهره وباطنه، لان ذلك أغلظ وأعسر انهضاما وأكثر رياحا ونفخا.
وأما الخبز اليابس الجاف، فإن فيه هشاشة وسخافة لعدمه الرطوبة أصلا. ولذلك صار منشفا لرطوبات المعدة وقتا طويلا قبل أن ينحل ويعمل فيه الهضم. ولهذا أيضا صار مولدا للعطش مجففا لرطوبة الثفل، حابسا للبطن، وذلك لجهتين: إحداهما: كثرة ما يحتاج من الرطوبة ليبتل بها، والثانية: