يتخذ مشويا أو مطجنا أو مطيبا بالأبازير الحارة الحريفة ليكتسب بذلك يبسا وجفافا. فان كان مع ذلك سمينا، وجب أن يتخذ مشويا بنار لينة قوية وملح كثير. وما كان في طبيعته حارا وجب أن يتخذ بالحصرم والرمان الحامض وحماض الأترج وقضبان الرجلة الا ان تكون طبيعة المستعمل له يابسة (١) فيتخذه بالخل وماء القرع والقثاء والخيار وقلوب الخس ليكتسب بردا يعدل به حرارته. وما كان منه في طبيعته باردا وجب ان يتخذ بماء النعناع والكرفس والسذاب والبر والأبازير الحارة والشراب الريحاني. وما كان منه في طبيعته معتدلا كان الأفضل ان يتخذ بما يثبت مزاجه على حالته ولا يكسبه حالا يميل إلى أحد الكيفيات دون الأخرى، وهو ان يتخذ اما زيرباج مطيبة بالخل والسكر وماء التفاح العذب والماورد والكزبرة الرطبة واليابسة وبشئ من بصل والزعفران والكمون واليسير الحقير من الفلفل. وإما معذبة بماء الرمان الحلو والتفاح العذب الذكي الرائحة وشئ من ما ورد. وإما سكباجة ساذجة معراة من الثوم ومعذبة بماء الرمان الحلو أو بسكر طبرزد.
وأما اتخاذ اللحمان على حسب مزاج المستعمل لها وطبيعته، فإنه ان كان مزاج المستعمل لها محرورا كان الأفضل أن يستعمل منها ما كان <في> طبيعته باردا مثل اللون المتخذ بالخل وماء الرمان الحلو أو التفاح العذب الذكي الرائحة والماورد، الا أن يكون في طبيعته لينا، فيتخذه بماء الحصرم وحماض الأترج والرمان الحامض. وإن كان مزاج المستعمل له باردا وجب أن يتخذ منه ما كان في طبيعته حارا مثل اللون المطيب بالخل والمري والشراب والسذاب والكرفس والنعناع وورق الأترج والزنجبيل والدار فلفل، الا ان يكون مع ذلك إسهال، فيتخذه إما مشويا، وإما مطجنا بشراب مرواح أو شراب عسل. وإن كان مزاج المستعمل له معتدلا، كان الأفضل أن يستعمل منه ما كان في طبيعته متوسطا مثل اللون المعروف بالزيرباج أو السكباج السليمة من الثوم المعتدلة بماء الرمان الحلو أو بالسكر طبرزد.
فقد بان من قوة كلامنا أن من اللحمان ما يحتاج أن يكسب بالصنعة والعمل، إما حرارة وإما برودة، وإما رطوبة وإما يبوسة. ومنها ما يحتاج أن يحفظ على طبيعته التي هو عليها ولا يغير تغييرا يكسبه إلا لذاذة فقط. ولذلك وجب ألا يقاس بين جنسين مختلفين من الحيوان في نوعين من الطبخ متباينين، فيقال: أنهما أحمد وأنهما أذم، لأنه قد يمكن أن يتساويا جميعا (2) في الحمد والذم، من قبل أنه قد يتهيأ في كل واحد منهما أن يكون في النوع الذي قصد به الطبخ، محمودا أو مذموما. مثال ذلك: أن إنسانا لو قاس بين ضأن مشوي وماعز مسلوق لوجدهما جميعا قد اتفقا في الحمد وجودة الصنعة، لان الضأن لكثرة رطوبته، يحمد أن يكون مشويا، والماعز لزيادة يبسه، يحمد أن يكون مسلوقا.
ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: إنه لا ينبغي أن يقاس بين لحم حيوان مشوي من جنس، وحيوان مطبوخ من جنس آخر. كما لا يجب أن يقاس بين حيوان مخصب من جنس وحيوان مهزول من