ما بقي الدهر! أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة. ها، إن ههنا لعلما جما (وأشار إلى صدره) لو أصبت له حملة! بلى أصبت لقنا غير مأمون عليه، مستعملا آلة الدين للدنيا، ومستظهرا بنعم الله على عباده وبحججه على أوليائه.
أو منقادا لحملة الحق لا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة. ألا لا ذا ولا ذاك!
أو منهوما باللذة، سلس القياد للشهوة! أو مغرما بالجمع والإدخار! ليسا من رعاة الدين في شئ! أقرب شئ شبها بهما الأنعام السائمة! كذلك يموت العلم بموت حامليه! اللهم بلى، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا لئلا تبطل حجج الله وبيناته. وكم ذا وأين أولئك؟ أولئك والله الأقلون عددا والأعظمون قدرا). (نهج البلاغة: 4 / 36).
وفي الكافي: 1 / 484: (عن إسحاق بن عمار قال: سمعت العبد الصالح (الإمام موسى بن جعفر عليه السلام) ينعى إلى رجل نفسه فقلت في نفسي: وإنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته!؟ فالتفت إلي شبه المغضب فقال: يا إسحاق قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا، والإمام أولى بعلم ذلك! ثم قال: يا إسحاق إصنع ما أنت صانع فإن عمرك قد فني، وإنك تموت إلى سنتين وإخوتك و أهل بيتك لا يلبثون بعدك إلا يسيرا، حتى تتفرق كلمتهم ويخون بعضهم بعضا حتى يشمت بهم عدوهم! فكان هذا في نفسك! فقلت: فإني أستغفر الله بما عرض في صدري فلم يلبث إسحاق بعد هذا المجلس إلا يسيرا حتى مات، فما أتى عليهم إلا قليل حتى قام بنو عمار بأموال الناس فأفلسوا). (وبصائر الدرجات / 284).
(وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام خرج يوما إلى بستان البرني موضع في ظهر الكوفة (لعله من أملاك الدولة) ومعه أصحابه فجلس تحت نخلة ثم أمر بنخلة فلقطت فأنزل منها رطب فوضع بين أيديهم، فقال رشيد الهجري: يا أمير المؤمنين: ما