فأما دعاؤهم الله فقد رأيتهم مع رسول الله (ص) يفعلون ذلك كثيرا. وأما لقاؤك إياهم في أعدادهم من قريش، فقد علمت ما لقيت قريش منهم قديما، فإن أحببت أن ترى فيهم مثل ذلك آنفا فافعل. وأما التمر والطفيشل فإن التمر كان لنا فلما أن ذقتموه شاركتمونا فيه! وأما الطفيشل فكان لليهود، فلما أكلناه غلبناهم عليه كما غلبت قريش على السخينة! (طعام من دقيق وسمن أو تمر، كانت قريش تكثر من أكله فعيرت به، حتى سموا قريشا: سخينة). ثم تكلم مسلمة بن مخلد فقال: يا معاوية إن الأنصار لاتعاب أحسابها ولا نجداتها، وأما غمهم إياك فقد والله غمونا، ولو رضينا ما فارقونا وما فارقنا جماعتهم، وإن في ذلك لما فيه من مباينة العشيرة، ومباعدة الحجاز وحرب العراق، ولكن حملنا ذلك لك ورجونا منك عوضه. وأما التمر والطفيشل فإنهما يجران عليك نسب السخينة والخرنوب! وانتهى (وصل) الكلام إلى الأنصار، فجمع قيس بن سعد الأنصار ثم قام خطيبا فيهم فقال: إن معاوية قد قال ما بلغكم، وأجاب عنكم صاحباكم، فلعمري لئن غظتم معاوية اليوم لقد غظتموه بالأمس، وإن وترتموه في الإسلام فقد وترتموه في الشرك، وما لكم إليه من ذنب أعظم من نصر هذا الدين الذي أنتم عليه، فجدوا اليوم جدا تنسونه به ما كان أمس، وجدوا غدا جدا تنسونه به ما كان اليوم، وأنتم مع هذا اللواء الذي كان يقاتل عن يمينه جبرائيل وعن يساره ميكائيل، والقوم مع لواء أبي جهل والأحزاب. وأما التمر فإنا لم نغرسه ولكن غلبنا عليه من غرسه. وأما الطفيشل فلو كان طعامنا لسمينا به إسما كما سميت قريش السخينة. ثم قال قيس بن سعد في ذلك:
يا ابن هند دع التوثب في الحرب إذا نحن في البلاد نأينا نحن من قد رأيت فادن إذ شئت بمن شئت في العجاج إلينا