وهل هذا الموقف العنيف الطويل الأمد من صحابي جليل كعبادة بن الصامت، كان بسبب تخطئة معاوية له في نقل حديث نبوي؟! فلماذا لم يطلب معاوية منه شاهدا على روايته كما هي عادة أي مسلم يشك في نقل حديث نبوي؟!
أنظر إلى ما قاله ابن عبد البر، وتبناه الزرقاني: 3 / 357، والسيوطي في تنوير الحوالك / 490، وغيرهما: (أنف من رد السنة بالرأي، وصدور العلماء تضيق عن مثل هذا وهو عندهم عظيم رد السنن بالرأي). وأضاف في التمهيد: 4 / 87: (وغير نكير أن يجهل معاوية ما قد علم أبو الدرداء وعبادة فإنهما جليلان من فقهاء الصحابة وكبارهم).
إنهم يؤكدون بذلك على أن خطأ معاوية كان فقط في عدم قبوله لرواية عبادة بن الصامت وأبي الدرداء، وأن هذين الصحابيين لا يفهمان ولا يعقلان! وعلى هذا المنوال ما تقرؤه في: اختلاف الحديث للشافعي / 480، ومسند الشافعي / 242، وسنن البيهقي: 5 / 280، والآحاد والمثاني للضحاك: 3 / 430، ومسند الشاميين للطبراني : 1 / 218، والمحصول للرازي: 4 / 375، والإحكام للآمدي: 2 / 66)!! لقد غطى هؤلاء جميعا على معاوية! وكان ضحيتهم كبار الصحابة الذين وقفوا في وجهه، خاصة عبادة بن الصامت الصحابي المجمع على جلالته ووثاقته فهو أحد نقباء الأنصار في بيعة العقبة، وأحد قادة فتوحات العراق والشام! وقد رفع راية العداء لمعاوية وبني أمية بسبب ما رأى منهم وما سمع من النبي صلى الله عليه وآله فيهم، وآلى على نفسه عندما رد معاوية سنة النبي صلى الله عليه وآله أن لا يساكنه في بلد! ولم تنحل مشكلته معه في عهد عمر، ولا عهد عثمان، بل عزله عثمان عن قضاء فلسطين إكراما لمعاوية! وعاد إلى المدينة فتضامن معه كبار الصحابة من الأنصار والمهاجرين! وصمد على موقفه حتى صار معاوية (خليفة) ودخل المدينة فأمر معاوية بالقبض عليه، فأخذوه وهو غير مكترث ينفخ استهزاء بمعاوية ويقول: (ولأنت يا معاوية أصغر في عيني من أن أخافك في الله عز وجل)! (تاريخ دمشق: 26 / 200)!