خامسا، أعلن معاوية بقوله: (إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم) تخليه عن الدين في عقيدته وبرنامج حكمه، لكنه في نفس الوقت لا يعطي على نفسه ممسكا صريحا على كفره بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وقرآنه لأن الناس الذين غلبهم وتسلط عليهم يؤمنون به صلى الله عليه وآله، ومن السياسة أن يداري عقائدهم ومشاعرهم، في ظاهر الأمر!
سادسا، عقيدة الجبرية وقانون الغلبة تسقطان حقوق الرعية بالكامل! فلا معنى للحقوق بعد أن أعطى الله حق التأمر على عباده لمعاوية وبني أمية! (وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون)! فالمسلمون لم يعطوه الحكم والتأمر عليهم حتى تكون لهم حقوق، بل الله أعطاه إياهم، فمن قتله منهم فهو جائز له، ومن عفا عنه فهو جائز له! فحالهم كحال الأرض التي ملكها الله لمعاوية فقال كما تقدم: (الأرض لله وأنا خليفة الله...) فيجب على الناس أن يبايعوا الخليفة الغالب طوعا أو كرها ويخضعوا لسلطانه وأمره ونهيه! ولهذا ختم معاوية خطبته في نخيلة الكوفة بأن: نادى بأعلى صوته بالموت لمن لم يبايع، فالناس مخيرون فقط بين بيعة معاوية والموت!
قال البلاذري في أنساب الأشراف / 743: (ثم نادى بأعلى صوته: ألا إن ذمة الله بريئة ممن لم يخرج فيبايع... ألا وإنا قد أجلناكم ثلاثا فمن لم يبايع فلا ذمة له ولا أمان له عندنا! فأقبل الناس يبايعون من كل أوب). انتهى.
وكذلك فعل في البصرة فخير الناس بين بيعته والسيف، وأسوأ منه في المدينة!
وكل ذلك حق لمعاوية حسب منطقه ودينه الذي يدين به! أليس قد غلب، أليس هو ابن أبي سفيان زعيم قريش، والأحق من بني هاشم بملك العرب؟!
إنه منطق اليهود في مواجهة أنبيائهم عليهم السلام! فالعطاء الإلهي عندهم ذو قيمة مادية فقط! ولا قيمة لغير المادي الملموس! والنبوات ما لم تكن ملكا ماديا فلا