قال في تاريخ دمشق: 19 / 197: (وقام الناس حتى إذا كان الليل أرسل معاوية إلى حضين بن المنذر الذهلي فدعاه وأدناه حتى كان قريبا منه، ثم أجلسه وألقيت تحته وسادة، ثم قال له معاوية: بلغني أن لك عقلا ورأيا وعلما بالأمور، فأخبرني ما فرق بين هذه الأمة ومن سفك دمائها وشق عصاها وفرق ملأها؟ قال: قتل أمير المؤمنين عثمان. قال: ما صنعت شيئا. قال: مسير علي إلى عائشة وطلحة والزبير، ومسير علي إليك وقتالكم بصفين والذي كان بينكم من سفك الدماء والاختلاف! قال: ما صنعت شيئا! قال: فأخبرني يا أمير المؤمنين! فحمد الله معاوية ثم قال: إن الله أرسل رسوله بالهدى ودين الحق فدعا الناس إلى الإسلام فعمل رسول الله بكتاب الله عز وجل حتى قبضه الله وعصمه بالوحي، ثم استخلف المسلمون أبا بكر فكان أفضل من تعلم وتعلمون، فعمل أبو بكر بكتاب الله وسنة رسوله حتى قبضه الله إليه، ثم استخلف أبو بكر على المسلمين عمر، فعمل بكتاب الله وسنة رسوله وسنة أبي بكر حتى أصاب عمر من قضاء الله ما أصابه، فخير بين ستة فجعلها شورى ولم يجب إلا بجعلها بينهم، وكانوا خير من تعلم على الأرض، فلما جلسوا لها وتنازعوها دعا كل رجل منهم إلى نفسه، فقال عبد الرحمن: أيكم يخرج منها ويستخلف؟ فأبى القوم وكان أزهدهم فيها فقلدوها إياه فاستخلف عثمان! فما زال كل رجل من أهل الشورى يطمع فيها ويطمع له فيها أحباؤهم حتى وثبوا على عثمان فقتلوه، واختلفوا بينهم حتى قتل بعضهم بعضا! فهذا الذي سفك دماء هذه الأمة وشق عصاها وفرق ملأها)! انتهى. فاعجب لمعاوية كيف لا يقول لعمر شكرا على ترتيبك الأمر لنا بحكم الشام ثم بالشورى وحق النقض لمصلحتنا! بل يراه مقصرا لأنه أشرك غيرهم شكليا، فسبب ذلك طمع أعضاء الشورى من غير بني أمية!
(٢١٨)