ولا أقلت الغبراء أحدا أصدق لهجة من أبي ذر! فقال جميع من حضر من أصحاب رسول الله: صدق علي. وقال أبو ذر: أحدثكم أني سمعت هذا من رسول الله وتتهموني! ما كنت أظن أني أعيش حتى أسمع هذا منكم! فقال عثمان: كذبت، أنت رجل محب للفتنة... فقال أبو ذر: والله ما أعرف لي إليك ذنبا إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال: فاشتد غضب عثمان ثم قال: أشيروا علي في أمر هذا الشيخ الكذاب فقد فرق جماعة المسلمين! فقال علي رضي الله عنه: أما أنا فأشير عليك بما قال مؤمن آل فرعون: وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب! فقال عثمان: التراب بفيك يا علي! فقال علي: بل بفيك يا عثمان! أتصنع هذا بأبي ذر وهو حبيب رسول الله صلى الله عليه وآله في كتاب كتبه إليك معاوية، من قد عرفت زهقه وظلمه! قال: فأمسك عثمان عن علي، ثم أقبل على أبي ذر فقال: أخرج عنا من بلدنا! فقال أبو ذر: ما أبغض إلي جوارك، ولكن إلى أين أخرج؟ فقال عثمان: إلى حيث شئت! فقال: أرجع إلى الشام فإنها أرض الجهاد، فقال عثمان: إني إنما جئت بك من الشام لما تفسد بها علي ولا أحب أن أردك إليها!
قال أبو ذر: فأخرج إلى العراق؟ قال عثمان: لا، لأنهم قوم أهل شبهة وطعن على الأئمة، فقال أبو ذر: فإني حيث كنت فلا بد لي من قول الحق، فإلى أين تحب أن أخرج؟ فقال عثمان: أي بلد هو أبغض إليك؟ قال: الربذة، قال: فأخرج إليها، ولا تعدها). انتهى. وقد وضعنا عبارة (لم أسمع هذا ولكن) بين قوسين لأنها عبارة مشكوكة، فعلي عليه السلام بنص القرآن عنده علم الكتاب، وجعله الله شاهدا بعد نبيه على رسالته فقال تعالى: قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب (الرعد: 43) وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله أن يقربه ويعلمه فكان أخص المسلمين به،