منتقى الأصول - تقرير بحث الروحاني ، للحكيم - ج ٧ - الصفحة ٢٨٦
وفى تحقيق الحال في ذلك لا بد من تحقيق امر له كل المساس فيما نحن فيه كما له المساس المهم فيما يأتي من البحث عن انقلاب النسبة (1).
(1) تحقيق الكلام في هذا المقام ان يقال: ان تعدد الإرادة في الكلام ووجود الإرادة الاستعمالية والإرادة الجدية بالمعنى المذكور في المتن مما لا اشكال فيه ولا يقبل الانكار، كما أنهما قد يختلفان كما في موارد الاستعمالات الكنائية - وقد يتفقان.
وانما الاشكال في طريق تشخيص المراد الجدي للمتكلم وكونه على طبق ظاهر كلامه أو غيره وانه هل هو بواسطة ظاهر اللفظ كما هو المعروف - حيث إن المعروف تشخيص المراد الجدي من طريق ظاهر اللفظ فيكون الظاهر حجة وهو المعبر عنه بأصالة الظهور ومطابقة مقام الاثبات لمقام الثبوت -، أو انه بطريق آخر؟. الحق هو الثاني وذلك لان المراد الجدي للمتكلم يعرف بأمرين ينضم أحدهما للاخر..
أحدهما: احراز كون المتكلم في مقام الجد في كلامه وانه يريد بيان امر واقعي به في قبال الهزل أو غيره.
والآخر احراز مدلول الكلام وما قصد به تفهيمه.
فإذا حصل هذان الأمران يحصل العلم بالمراد الواقعي وانه مطابق للمراد الاستعمالي وما قصد تفهيمه.
فمثلا لو قال: " جاء زيد من مكة المكرمة " فلدينا أمور ثلاثة: الامر الخارجي من مجئ زيد وعدمه والمراد التفهيمي والمراد الجدي وهو ما قصد الحكاية عنه.
ولا يخفى ان الأول لا يعرف بالخبر وهو خارج عنه ولذا يتحقق الخبر مع العلم بعدم المطابقة والكذب فليس الامر الخارجي وهو ذات ما أخبر عنه بمراد جدي وانما المراد الجدي هو ما قصد الحكاية عنه بما هو متعلق القصد أو فقل: ان الاخبار عن الشئ هو المراد الجدي.
وهذا هو المطلوب معرفته بالكلام وهو يعرف - كما تقدم - باحراز مدلول الكلام واحراز قصد الحكاية به وان المتكلم في مقام الاخبار لا في مقام آخر.
وهذا ليس من حجية الظهور في شئ إذ احراز مدلول الكلام ينشأ من العلم بالوضع وملاحظة القرائن واحراز انه في مقام الجد ينشأ من قرينة حالية أو مقالية.
وقد يقال: ان المراد الجدي قد يتخلف عن المراد الاستعمالي سعة وضيقا كما لو كان مراده الجدي المعنى الخاص وكان اللفظ المستعمل فيه مطلقا فإذا حصل هذا الاحتمال في الكلام فلا دافع له إلا ظهور الكلام وعدم التقييد وهذا معنى حجية الظهور.
ويندفع هذا القول:
أولا: بأنه لا يتم فيما كان المعنى الآخر مباينا للموضوع له إذ لا يحتمل ارادته من اللفظ بلا قرينة بعد عدم دلالة اللفظ عليه إذ كيف يقصد الحكاية عن معنى بما لا يدل عليه؟
وثانيا: بأنه لا يتم حتى في مثل المطلق والمقيد لان الجميع يلتزمون بأن احراز كونه في مقام الجد في الجملة لا يجدي في اثبات ان مراده المطلق إذا احتمل انه ليس في مقام الجد من بعض الجهات بل لا بد من احراز كونه في مقام الجد في تمام المدلول ومن جميع الجهات وإذا أحرز ذلك لم يحتج في اثبات مراده إلى الكشف عنه من طريق الظهور للعلم بأن مراده تمام المدلول وإذا لم يحرز ذلك لم يمكن تشخيص ان مراده المطلق من طريق اللفظ.
وعمدة التحقيق: ان المراد بقصد الجد والحكاية ليس ما يساوق معنى الإرادة والنية بل ما يساوق معنى الداعي المترتب على الشئ.
ومن الواضح انه لا يمكن أن يكون الداعي إلى الشئ ما لا يترتب عليه فلا يمكن ان يقصد الحكاية عن معنى بما لا يدل عليه لعدم ترتبها عليه ومعنى احراز الداعي إلى الحكاية يحرز ان مراده لا يتعدى مدلول اللفظ لان الفرض انه قصد الحكاية عن امر بما قصد تفهيمه فتدبر.
ومن هنا يظهر ان مجرى مقدمات الحكمة في باب المطلق والمقيد انما هو المراد الاستعمالي لا المراد الجدي لوضوح تبعية المراد الجدي للمراد الاستعمالي وما قصد تفهيمه والانتقال منه إليه فلا بد في تشخيص المراد الجدي من معرفة المراد الاستعمالي سعة وضيقا وهو يحصل بالقرينة، والقرينة على إرادة الاطلاق هي مقدمات الحكمة كما يبين في محله - وبدونها لا يمكن احراز المراد الاستعمالي ومعه لا يمكن تشخيص المراد الجدي وإذا توفرت المقدمات في المراد الاستعمالي فلا حاجة حينئذ لجريانها في المراد الجدي كما هو واضح.
ثم إنه مما ذكرناه يظهر ان دلالة الكلام على المراد الجدي مع احراز انه في مقام الجد تكون دلالة قطعية لا تحتمل الخلاف لأنها تنشأ من ضم جهة وجدانية وهي كونه في مقام الحكاية - إلى جهة عقلية وهي استحالة أن يكون الداعي إلى الشئ ما لا يترتب عليه.
وعلى هذا الأساس يشكل الامر في موارد تقديم النص أو الأظهر على الظاهر فان المعروف بين الأصحاب تقديم النص وهو ما لا يمكن إرادة غير معناه المفهوم منه - على الظاهر وهو ما يمكن أن يراد به غير معناه المفهوم منه، لكنه كان ظاهرا في المعنى المعروف.
وذلك فإنه - على ما ذكرناه - لا فرق بين النص الظاهر في عدم احتمال إرادة غير معناه المفهوم منه.
فان الظاهر وان أمكن ان يستعمل ويراد به معنى آخر لكنه لا يصح بلا نصب قرينة إذ إرادة غير الظاهر من دون قرينة غير صحيحة فمع عدم القرينة لا يكون المفهوم من اللفظ سوى المعنى الظاهر فيه والمفروض ان المدلول الاستعمالي هو ما قصد تفهيمه للمخاطب فينحصر أن يكون هو المعنى الظاهر لاستحالة إرادة غيره بدون قرينة لعدم ترتب التفهيم على حاق اللفظ